قال تعالى
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾ آل عمران
مقتطفات من تفسير الشعراوى
المقطع على الرابط التالى
https://youtu.be/e-dGlUTWzNY?list=PLBESsrCnwW1uCGRH-U4GX9L75ns6XlPO6
بداية من الدقيقة 15 ... المقتطفات المكتوبة من الدقيقة 24
المتشابة مش جاى عشان الاحكام .. انما جاى عشان الايمان بس .. الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر ذلك وينهى كل الخلاف بين العلماء .. يجب ان ينتهى كل خلاف للعلماء حول هذة المسألة عند قوله صلى الله عليه وسلم ( فما عرفتم من محكمه فاعملوا به وما عرفتم من متشابهه فامنوا به ) .. والمؤمن يشغل ذهنه ويرد المتشابه الى المحكم .. كأمثله
قال تعالى (يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) الفتح آيه 10 .. يبقى لله يد ولا مالوش يد .. (الرَّحمـنُ عَلَى العَرشِ استَوى ﴿٥﴾ طه ... اهو كل دة من المتشابه اللى تؤمن بيه .. هل وجودك كوجود الله .. انا أمنت بأن لله عز وجل يدا ولكن فى اطار كلمه محكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) الشورى 11 ... اذن منه آيات محكمات .. هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ...ومعنى ام .. يعنى الاصل الذى يجب ان ينتهى اليه تأويل المتشابه ان اولت فيه .. يعنى ترجعة الى المحكم ..
الزيغ يعنى الميل .. كأن الزيغ امر طارئ على القلوب .. يبقى الاصل على الفطرة السليمة ان مفيش زيغ .. امال ايه اللى بيجعلهم يزيغوا ( الاهواء ) تبقى عارف الحكم الصحيح لكن هواك يقولك اية ( ميل شوية عندى ) .. والميل صفة القلب يقوم يخضع منطقة وفكرة عشان يخدم القلب .. لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) .. ليه لأن آفه الرآى ( الهوى ) .. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) .. اذن اتباعهم لما تشابه منه ليؤلوة تاؤيلا يخالف الواقع عشان يخدموا الزيغ ( ميلهم ) اذن فالميل موجود عند قلوبهم اولا وبعدين جعلوا الفكر يخضع للميل والعبارة تخضع للفكر .. يبقى الاصل جاى منهم ولا لأ .. مادام مايل يبقى الاصل جاى منهم ..
قال تعالى
(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف 5 .. مش انت عايز تميل .. اهو انا هميلك قوى .. هساعدك فى الحكاية دى ..
آيه اخرى .. قال تعالى (ثُمَّ انصَرَفوا صَرَفَ اللَّـهُ قُلوبَهُم ) التوبه 127 .. هما اللى بدئو ولا لأ ..
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ .. بهدف ايه .. (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) .. يفتنوا بها عقول اللى مش فاهمين .. ومادام يفتنوا بيها عقول اللى مش فاهمين يبقى دول مع المنهج ولا ضدة .. ومادام ضد المنهج يبقوا مأمنين ولا لأة ... ومادام مش مأمنين يبقى متقولشى ربنا يوجههم للخير .. لأن احنا قولنا .. ان الايمان يطلب منك فقط ان تتجة الى الايمان بربك ثم المعونه على كل عمل منه .. اما ما تؤمنشى بيه وتقوله ( اعنى ) ما يمكنش ولذلك هو يقول
(عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تبارك وتعالى : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم ، وفي رواية ابن ماجه : ( فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ) . اللى هيشرك بى واحد يروحوا فى داهيه هما الاتنين ..
(وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) .. معنى التأويل .. آل الشئ الى كذا يعنى رجع فكأن شيئا يرجع الى شئ .. احنا قولنا ان اللى ليهم قلوب ليس فيها زيغ يحاولون جاهدين ان يؤلوا المتشابه الى المحكم ..
(ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ) .. لأن الله لو اراده لجاء به من المحكم ولا لأة .. يبقى اذن ارادة المتشابة ( لهذة ) .. ليحرك العقول .. لأن الامور لو جاءت بمنتهى الرتابه .. العقل يثبت ويجمد .. ويريد الله ان يتحرك العقل فى الاستنباط .. لما العقل يتحرك فى الاستنباط .... جرب تحرك عقلك فى الاستباط لتؤؤل بالمتشابة الى المحكم فى اهم شئ عندك وهو العقيدة الايمانية .. يقوم تتكون عنده الرياضة على الابتكار والرياضة على البحث .. انما تسيبه خامل كدة .. قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿٢٤﴾ ) محمد .... العقائد ان تؤمن والاحكام ان تفعل ..
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ) اى التأويل الحقيقى بتاعة الا الله .. وهما برضة بيحاولوا يؤلو برضة .. انما هل يصلون الى .. ولا دى بس ارضت البحث عندهم ( ارضت البحث عندهم ) .. انما حقيقته ( لا يعلمه الا الله ) .. لذلك لما جة واحد بياخد على واحد تانى بعض التصرفات قال لة يا اخى ( وهل تدعى انك احطت بكل علم الله ) .. قال له لا .. قال ( انا من الذى لا تعلم ) .. اهو انا من الحته اللى انت مش عارفها ... ابعد عنى ..
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ) ..العلماء هنا ليهم وقفات .. يقفون (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ) .. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .. كلام مستأنف .. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .. طيب لا يعلم تأويل المتشابه الا الله .. انتهت المسأله .. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) كلمة الراسخون فى العلم يعنى ايه .. الثابتون الذين لا تغويهم الاهواء .. راسخ يعنى ثابت قوى لا ترميه الاهواء.. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) موقفهم من المتشابة ايه مادام لا يعلم تأويله الا الله .. يبقى الرسوخ فى العلم ايه فائدتة .. ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) .. اللى قالها الرسول ولا لأة .. كل من عنده .. المتشابه من عنده والمحكم من عنده .. المحكم هنعمل بيه والمتشابة هنؤمن بية .. مادام عرفو كدة ... يبقوا عرفوا تأويلة ولا لأة .. يبقى الذى عطف وقال (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ..
نقوله الراسخين فى العلم يعلموة ولا لأة .. ان عطفت .. طيب علمهم نتيجتة ايه . (آمَنَّا بِهِ ) .. طيب ماهى قد بعضها .. يبقوا سواء وقفت ام لم تقف .. المعنى واحد " وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم يعلمون تأويله نتيجة علمهم بالتأويل يقولون آمنا به ".. انتهت المسأله .. يبقى لا خلاف فى الوقفة هنا او عدم الوقفة ..
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حيثية الحكم ( كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) المحكم من عند ربنا والمتشابه من عند ربنا .. وله حكمته فى ذلك .. لأنة ساعة يأمر الاعلى الادنى بأمر يبين له علتة فيفهم الادنى ويعمل .. وبعد ذلك يلقى امرا اخر ولا يبين علتة .. فواحد ينفذ الامر وان لم يعرف العله .. وواحد يقول له لأ ضرورى من العلة ..
يبقى الذى آمن .. آمن ( بصاحب الامر ) ام بالامر .. وهو يريد منا ذلك .. لو كل حاجة بقى هتفهمها يبقى الايمان مالوش قيمة .. انما الايمان عظمتة فى ايه .. انك تنفذ بعض الاشياء وحكمتها غايبة عنك .. والا فان كان كل شئ هتعملة فهمت حكمتة تبقى انت مؤمن بالحكمة مش مؤمن بمن اصدر الامر .. لما نيجى مثلا للحم الخنزير اللى ربنا حرمة من اربعة عشر قرنا وبعد ذلك يتبين الان ان فية مضار ويمتنع ناس عن اكلة لان فية مضار .. هل امتناعهم ايمانى يثابون علية ؟ ..طبعا لا .. لكن الثواب يكون لمن امتنع عن اكل لحم الخنزير ( قبل ان يعرف الحكمة ) لأن الله قد حرمة ولأن الامر قد صدر من الله .. واحد يقولك انا خلاص امتنعت عن الخمر لان الاطباء قالولى دى هتهرى كبدك .. نقولة ابشر ( مش ايمانى ) لانك ذهبك الى الحكم للعلة .. والله يريد ان تذهب بالحكم الى الآمر بالحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من تفسير ابن كثير ..
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي:بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى. ومن عكس انعكس؛ ولهذا قال تعالى:
( هُوَ الَّذِي أَنـزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) أي:أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه ( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) أي:تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد.
وقال ابن لَهِيعَة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير: ( هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) يقول:أصل الكتاب، وإنما سماهن أم الكتاب؛ لأنهن مكتوبات في جميع الكتب.
وقال مقاتل بن حيان:لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهنّ.
وقيل في المتشابهات:إنهن المنسوخة، والمقدم منه والمؤخر، والأمثال فيه والأقسام، وما يؤمن به ولا يعمل به. رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقيل:هي الحروف المقطعة في أوائل السور، قاله مقاتل بن حيان.
وعن مجاهد:المتشابهات يصدق بعضهن بعضًا. وهذا إنما هو في تفسير قوله: كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [ الزمر:23 ] هناك ذكروا:أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار، وذكر حال الأبرار ثم حال الفجار، ونحو ذلك فأما هاهنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم.
وأحسن ما قيل فيه الذي قدمناه، وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار، رحمه الله، حيث قال: ( مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) فيهن حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه.
قال:والمتشابهات في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحق.
ولهذا قال تعالى: ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أي:ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) أي:إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينـزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال: ( ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ) أي:الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم،
كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله [ تعالى ] إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ [ الزخرف:59 ] وبقوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ آل عمران:59 ] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله، وعبد، ورسول من رسل الله.وقوله: ( وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) أي:تحريفه على ما يريدون وقال مقاتل والسدي:يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن.
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن أبي غالب قال:سمعت أبا أمامة يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) قال: « هم الخوارج » ، وفي قوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . [ آل عمران:106 ] قال: ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) « هم الخوارج » .وقد رواه ابن مردويه من غير وجه، عن أبي غالب، عن أبي أمامة مرفوعا، فذكره .
وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفًا من كلام الصحابي، ومعناه صحيح؛ فإن أوّل بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حُنَيْن، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة، فقال قائلهم - وهو ذو الخُوَيْصرة- بقر الله خاصرته- اعدل فإنك لم تعدل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لقد خِبْتُ وخَسرْتُ إنْ لَمْ أكن أَعدل، أيأمَنُني على أهل الأرض ولا تَأمَنُونِي » . فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب - وفي رواية:خالد بن الوليد- [ ولا بُعد في الجمع ] - رسول الله في قتله، فقال: « دَعْهُ فإنه يخرج من ضِئْضِئ هذا- أي:من جنسه - قوم يَحْقِرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يَمْرُقُونَ من الدين كما يَمْرُقُ السهم من الرّمِيَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجْرًا لمن قتلهم » .
ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب، وقتلهم بالنَّهْروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونِحَلٌ كثيرة منتشرة، ثم نَبَعَت القَدَرَيّة، ثم المعتزلة، ثم الجَهْمِيَّة، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: « وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فِرْقَةً، كلها في النار إلا واحدة » قالوا: [ من ] هم يا رسول الله؟ قال: « من كان على ما أنا عليه وأصحابي » أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من تفسير القرطبى
قوله تعالى: « وما يعلم تأويله إلا الله » يقال: إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أحطب دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بلغنا أنه نزل عليك « آلم » فإن كنت صادقا في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة؛ لأن الألف في حساب الجمل واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فنزل « وما يعلم تأويله إلا الله » . والتأويل يكون بمعنى التفسير، كقولك: تأويل هذه الكلمة على كذا. ويكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه. واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يؤول إليه، أي صار. وأولته تأويلا أي صيرته.
وقد حده بعض الفقهاء فقالوا: هو إبداء احتمال في اللفظ مقصود بدليل خارج عنه. فالتفسير بيان اللفظ؛ كقوله « لا ريب فيه » [ البقرة: 2 ] أي لا شك. وأصله من الفسر وهو البيان؛ يقال: فسرت الشيء ( مخففا ) أفسره ( بالكسر ) فسرا. والتأويل بيان المعنى؛ كقوله لا شك فيه عند المؤمنين أو لأنه حق في نفسه فلا يقبل ذاته الشك وإنما الشك وصف الشاك. وكقول ابن عباس في الجد أبا، لأنه تأول قول الله عز وجل: « يا بني آدم » .
قوله تعالى: « والراسخون في العلم » اختلف العلماء في « والراسخون في العلم » هل هو ابتداء كلام مقطوع مما قبله، أو هو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع. فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع مما قبله، وأن الكلام تم عند قوله « إلا الله » هذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم، وهو مذ هب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد وغيرهم. قال أبو نهيك الأسدي: إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة. وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم « آمنا به كل من عند ربنا » .
وقال مثل هذا عمر بن عبدالعزيز، وحكى الطبري نحوه عن يونس عن أشهب عن مالك بن أنس. و « يقولون » على هذا خبر « الراسخون » . قال الخطابي: وقد جعل الله تعالى آيات كتابه الذي أمرنا بالإيمان به والتصديق بما فيه قسمين: محكما ومتشابها؛ فقال عز من قائل: « هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات... إلى قوله: كل من عند ربنا » فأعلم أن المتشابه من الكتاب قد استأثر الله بعلمه، فلا يعلم تأويله أحد غيره،
ثم أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به. ولولا صحة الإيمان منهم لم يستحقوا الثناء عليه. ومذهب أكثر العلماء أن الوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى: « وما يعلم تأويله إلا الله » وأن ما بعده استئناف كلام آخر، وهو قوله « والراسخون في العلم يقولون آمنا به » .
وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة. وإنما روي عن مجاهد أنه نسق « الراسخون » على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه. واحتج له بعض أهل اللغة فقال: معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين آمنا؛ وزعم أن موضع « يقولون » نصب على الحال. وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا، ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل؛ فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال؛ ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: عبدالله راكبا، بمعنى أقبل عبدالله راكبا؛ وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله: عبدالله يتكلم يصلح بين الناس؛ فكان « يصلح » حالا له؛ كقول الشاعر - أنشدنيه أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس ثعلب - : أرسلت فيها قطما لكالكا يقصر يمشي ويطول باركا
أي يقصر ماشيا؛ فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده،
وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك. ألا ترى قوله عز وجل: « قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله » [ النمل: 65 ] وقوله: « لا يجليها لوقتها إلا هو » [ الأعراف: 187 ] وقوله: « كل شيء هالك إلا وجهه » [ القصص: 88 ] ، فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه لا يشركه فيه غيره. وكذلك قوله تبارك وتعالى: « وما يعلم تأويله إلا الله » . ولو كانت الواو في قوله: « والراسخون » للنسق لم يكن لقوله: « كل من عند ربنا » فائدة. والله أعلم.
قلت: ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به؛ وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم. و « يقولون » على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين؛ كما قال:الريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامه
وهذا البيت يحتمل المعنيين؛ فيجوز أن يكون « والبرق » مبتدأ، والخبر « يلمع » على التأويل الأول، فيكون مقطوعا مما قبله. ويجوز أن يكون معطوفا على الريح، و « يلمع » في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا. واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم؛ فكيف يمدحهم وهم جهال وقد قال ابن عباس: ( أنا ممن يعلم تأويله ) وقرأ مجاهد هذه الآية وقال: أنا ممن يعلم تأويله؛ حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي.
قلت: وقد رد بعض العلماء هذا القول إلى القول الأول فقال: وتقدير تمام الكلام « عند الله » أن معناه وما يعلم تأويله إلا الله يعني تأويل المتشابهات، والراسخون في العلم يعلمون بعضه قائلين آمنا به كل من عند ربنا بما نصب من الدلائل في المحكم ومكن من رده إليه. فإذا علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنا بالجميع كل من عند ربنا، وما لم يحط به علمنا من الخفايا مما في شرعه الصالح فعلمه عند ربنا فإن قال قائل: قد أشكل على الراسخين بعض تفسيره حتى قال ابن عباس: ( لا أدري ما الأواه ولا ما غسلين ) قيل له: هذا لا يلزم؛ لأن ابن عباس قد علم بعد ذلك ففسر ما وقف عليه.
وجواب أقطع من هذا وهو أنه سبحانه لم يقل وكل راسخ فيجب هذا فإذا لم يعلمه أحد علمه الآخر. ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك؛ وفي قوله عليه السلام لابن عباس: ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) ما يبين لك ذلك، أي علمه معاني كتابك. والوقف على هذا يكون عند قوله « والراسخون في العلم » . قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر: وهو الصحيح؛ فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب. وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع!.
لكن المتشابه يتنوع، فمنه ما لا يعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه، وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره. فمن قال من العلماء الحداق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويعلم تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم؛ كقوله في عيسى: « وروح منه » [ النساء: 171 ] إلى غير ذلك. فلا يسمى أحد راسخا إلا أن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له. وأما من يقول: إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل؛ لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح.
والرسوخ: الثبوت في الشيء، وكل ثابت راسخ. وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض؛ قال الشاعر:
لقد رسخت في الصدر مني مودة لليلى أبت آياتها أن تغيرا
ورسخ الإيمان في قلب فلان يرسخ رسوخا. وحكى بعضهم: رسخ الغدير: نضب ماؤه؛ حكاه ابن فارس فهو من الأضداد. ورَسَخ ورَضَخ ورَصُن ورسَب كله ثبت فيه. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الراسخين في العلم فقال: ( هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ) . فإن قيل: كيف كان في القرآن متشابه والله يقول: « وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم » [ النحل: 44 ] فكيف لم يجعله كله واضحا؟ قيل له: الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن يظهر فضل العلماء؛ لأنه لو كان كله واضحا لم يظهر فضل بعضهم على بعض. وهكذا يفعل من يصنف تصنيفا يجعل بعضه واضحا وبعضه مشكلا، ويترك للجثوة موضعا؛ لأن ما هان وجوده قل بهاؤه. والله أعلم.