منتدى الأرانب للجميع
بحث عن جدول حِسَاب الجُمَّل 343215

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات الأرانب للجميع .
المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى . مع تحيات الإدارة

بحث عن جدول حِسَاب الجُمَّل Rabbit10


منتدى الأرانب للجميع
بحث عن جدول حِسَاب الجُمَّل 343215

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات الأرانب للجميع .
المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى . مع تحيات الإدارة

بحث عن جدول حِسَاب الجُمَّل Rabbit10

منتدى الأرانب للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الأرانب للجميع دخول

أول منتدى عربى رائد في مجال تربية الأرانب ومستلزماتها ... يضم صفوة خبراء المجال ويعتبر الوجهة الأولى لمربي الأرانب فى العالم العربي

بحث عن جدول حِسَاب الجُمَّل

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد

23102016
بحث عن جدول حِسَاب الجُمَّل

البحث منقول من كتاب ( اسرار الحروف وحساب الجمل )

مقتطفات من البحث

اهم نتائج البحث

١- إن البداية في انتقال هذه الاستخدامات للمسلمين كانت بعد القرن الثاني.
٢- تأثر أكثر الفرق الضالة بمسألة أسرار الحروف والأعداد، فكلما زاد بعد الفرقة
عن الدين وظاهره زاد غلوها في هذه المسألة.
٣- إن الفرق المستخدمة للحروف والأعداد تستخدمها في إثبات صحة معتقدها
وفي معرفة الغيب.
٤- إن الدراسات في الإعجاز العددي التي قمنا بدراساتها لا تخلو من أخطاء في حساب الأعداد وفي مسألة إدعاء علم الغيب. وهي متأثرة بدراسات رشاد خليفة.

ــــــــــــــــــــــــــ

علم أسرار الحروف علم يدخل فيه علوم أخرى ، ولكن قد يطلق عليه اسماء أخرى وهي مرادفة لمعنى أسرار الحروف منها : (علم خواص الحروف ، علم الخواص الروحانية من الأوفاق، علم التصريف بالحروف والأسماء، علم الحروف النوارنية ، ( والظلمانية، علم التصريف بالاسم الأعظم، علم الكسر والبسط )
ويعرف البعض علم أسرار الحروف بأنه: (علم باحث عن خواص الحروف إفرادا وتركيبا، وموضوعه الحروف الهجائية ومادته الأوفاق والتراكيب وصورته تقسيمها كماً وكيفاً، وتأليف الأقسام والعزائم، وما ينتج منها، وفاعله المتصرف، وغايته التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ومرتبته بعد الروحانيات والفلك .( والنجامة)

وقال ابن خلدون( ١) في المقدمة: (علم أسرار الحروف وهو المسمى لهذا العهد بالسيميا( ٢) نقل وضعه من الطلسمان إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص وحدث هذا العلم بعد الصدر الأول عند ظهور الغلاة منهم وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم ، والتصرفات في عالم العناصر، وزعموا أن الكمال الاسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب، وان طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان ، وهو من تفاريع علوم السيميا لا يوقف على موضوعه، ولا يحاط بالعدد مسائله تعددت فيه تأليف البوني( ١)(مؤلف شمس المعارف ) وابن عربي( ٢) وغيرهما وحاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان)( ٣).

ومع تعريف ابن خلدون هذا نضيف مع الاسماء والاطلاقات الاخرى لهذا العلم التي تقدم معنا اسم علم السيميا ، ولكن هذا المفهوم الذي ذكره ابن خلدون أكثر من أوغل فيه الصوفية( ٤) وما ذهب إليه ابن خلدون في كلامه هذا لا شك أنه صحيح، وهذا هو في الغالب، وهو ينطبق على استخدام الصوفية
ولكن لعلنا في هذا البحث سنتناول هذا العلم بشكل موسع يشمل أغلب الطوائف المُستخدمة للحروف والأرقام، لكي نصل في نهاية المطاف إلى تصور واضح لمعرفة أوجه التشابه بين جميع الاستخدامات المتعلقة بالحروف والأعداد وبناءً على هذه الدراسة التي قمنا بها يمكن أن نقسم المفهوم إلى عدة مفاهيم:

المفهوم الأول: أن هذه الحروف لها تأثير ويمكن أن تكشف عن معنى مستتر، ولهم فيها ضوابط وقواعد يسيرون عليها وهذه القواعد يخلطونها بقواعد علمية حسابية وربما يربطونها بعلم التنجيم والفلك.

المفهوم الثاني: (أن هذه الحروف لها تأثير ولكن بنحو اقتضائي سواء في الكشف أم في ترتب الأثر)( ٥). والمقصود من هذا المفهوم بزعمهم أن هذا التأثير لهذا الحرف لا يحصل بطريقة توفيقية بضوابط علمية سواء بين أعداد أو مع علوم أخرى كالتنجيم والفلك،كما في المفهوم السابق ، وانما تأتي من ذات الحرف بزعمهم .

المفهوم الثالث: وهو في استخدام الحروف في تأييد معتقدهم وليس في معرفة الغيب.
وهذه الاستخدامات في المفاهيم الثلاثة خارجةٌ عن الاستخدام الشرعي وجانحة فيه .

العلاقة بين الحروف والأعداد :

قد يشكل عند البعض حقيقة العلاقة بين الحروف والأعداد وذلك أن من ينظر في كتب علم الحرف يجد فيها جداول أرقاماً وحروفاً فنقول أن العلاقة هي انهم جعلوا (العدد روح والحروف جسد فهو سار في جميع الأسماء)( ١) ولذلك يعرفه البعض مبيناً هذه العلاقة: (بأنه استنطاق الحروف أو الكلمات ضمن أعدادها وفق هيئات مخصوصة .( وقواعد مضبوطة) وهناك علاقة أخرى بين الحروف والأعداد هي في ما يسمى بحساب الجمل نذكرها فيما يلي :

مفهوم حساب الجمل الاصطلاحي

يتضح مما سبق من كلامنا عن تعريف الحرف في اللغة( ٣) العلاقة بين الحروف والأعداد ؛ لكون حساب الجمل ذا صلة بالأعداد. ولا يكفي هذا في توضيح المفهوم لحساب الجمل لذايعرف بأنه : (طريقة في معرفة المستقبل من خلال الحروف، يجعل قدر من العدد في مقابل كل حرف، وإجراء الأسماء والأزمنة والأمكنة على ذلك ، ومن الجمع والطرح ونحو ذلك) ٤ فتلاحظ أن تعريف حساب الجمل له علاقة بالتعريفين أو المفهومين اللذين ذكرناهما فبينهما خصوص وعموم . ومما يلتقي ان فيه ؛ استخدام الحروف والأعداد، ومعرفة المستقبل من خلالها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقسام حساب الجمل :

ويقسمون حساب الجُمل إلى قسمين:
١ - حساب الجمل الصغير. ٢ - حساب الجمل الكبير.
فحساب الجمل مطلقا هو: حساب الأحرف الهجائية المجموعة في ترتيب الأبجدي ، والمراد بأبجد أول الكلمات التي رتبت فيها الأحرف الثمانية والعشرون وهي: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ.ثم وضعوا في مقابل كل حرف عددا لها هكذا : الحرف الرقم الحرف الرقم تم ادراج صورة من جدول الجمل

وهناك تراكيب أخرى :

١- التركيب الأبتثي أي بترتيب: ا، ب، ت، ث.

٢- والتركيب الأهطعي، أو الأيقغي و يعتمد على تركيب جمل أربع على ترتيب العناصر الأربعة: النارية، والهوائية، والترابية، والمائية . والسبب الأساس في الاعتماد عليه عندهم هو ربطهم لمخارج الحروف وهيئاتها بمنازل القمر الثمانية والعشرين مع ألفاظ الأسماء والصفات لإحداث تأثير معين وحساب الجمل الصغير: يعني حساب الأعداد بما يقابل مقطعات الحروف ( مفردة: فحرف الميم من كلمة ( محمد ) يحسب ( ٤٠ ) وحرف الحاء يحسب ( ٨ ) وهكذا.

وأما القسم الثاني وهو: حساب الجمل الكبير فهو بحساب كل ما ينطق من اللفظ المكون للحرف فكلمة "محمد" مكونة من الميم والحاء والميم والدال، وحين الحساب يحسبون كلمة "ميم" كاملة وهي ثلاثة حروف لا حرفا واحدا. وقد يطلقون عبارات في هذا الاستخدام للحروف مثل: (الزبر والبينات )،

فالزبر: الحروف أو الكلمات يقصدون بها الحرف الأول من اسم كل حرف أو كلمة، وأما بينتها: فهي عبارة عما بعد الحرف الأول من اسم كل حرف، فمثلا (سين ) .( الحرف الأول (الزبر) هو "س" وبينته هو "ين" وهذا مطرد في كل اسم أو لفظ) (والمغاربة يخالفون في ترتيب الكلمات التي بعد: كلمن، فيجعلونه: صعفض، .( قرست، ثخذ، ظفش)

ولعلم أسرار الحروف علاقة بما يسمى بعلم الأوفاق الذي يعرفونه بأنه :علم يتوصل به إلى توفيق الأعداد ، والحروف ، واستوائها في الأقطار والأضلاع ، وعدم التكرار غالباً( ٣). (وقيل هي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص مربع ويكون ذلك المربع مقسوما بيوتا فيوضع في كل بيت عدد... وأن لها آثارًا مخصوصة وأن منها: خاص بالحروب ونصر من يكون في لوائه. ومنها: خاص بتيسير العسير وإخراج المسجون.
ومنها: خاص بالجنين من الحامل وتيسير الوضع وكل ما هو من هذا المعنى )

وجميعها في أقسامها الثلاثة :
١- حرفية.
٢- وعددية .
٣- ولفظية .

تقوم على أسماء الله الحسنى، إما بكتابتها في الأوفاق ذاتها، أو بتلاوتها في هيأة دعاء على .( الأوفاق، أو يكون الوفق دالاً على اسمٍ من أسماء الله الحسنى

الخلاصة مما سبق أن علم الحرف له ثلاثة مفاهيم نختصرها فيما يلي:
١- معرفة الغيب من خلالها.
٢- التصرف بها والتأثير من خلالها.
٣- تدعيم معتقد أو فكرة من خلالها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علاقة علم اسرار الحروف بالتنجيم

يعتبر علم التنجيم( ١) من أوائل العلوم الدخيلة على الإسلام التي اعتنى بها المسلمون بسبب حركة الترجمة التي بدأت منذ عام ١٢٥ هـ ( ٢)؛ ولذلك كان علم التنجيم سابقاً لعلم أسرار الحروف كما سيأتي معنا في مبحث انتقال علم أسرار الحروف إلى المسلمين حيث كانت البداية لنشوء أسرار الحروف عندما ربط سهل بن هارون بن راهبون الكاتب( ٣) الحروف العربية بمنازل القمر الثمانية والعشرين ، ثم جاء بعده من ربط الحروف واستخدمها في معرفة علم الغيب وصار هذا الأمر مستقرًا عند من خاض في علم الحروف ونختار هنا نصاً يثبت ذلك من كلام البوني – أحد مشاهير علم الحرف – حيث قال: (وأما الحيوان الإنسان فذكرنا أنه يتصرف في ( ٢٨ ) حرفاً علويها وسفليها)( ٤). ولن نستعجل في بيان التفاصيل لكي يناسب البيان عرض معتقدات الفرق في حينه، وإنما نكتفي بالإضافة لما سبق بذكر بعضٍ من الاطلاقات الأخرى لعلم الحرف التي من شأنها توضيح علاقته بالتنجيم وهي:

١- علم الجفر:
والجفر كتاب ينسب إلى جعفر الصادق( ١) كذباً وزوراً يستخدم فيه أسرار الحروف ومعرفة أحداث المستقبل( ٢). وسيأتي الكلام بالتفصيل عن علم الجفر في مبحث الشيعة.

٢- وعلم الرمل:
(وهذا العلم يلحق بعلم التنجيم وهو رجم بالغيب وطريقتهم فيه أنهم جعلوا من النقط والخطوط ستة عشر شكلاً، ميزوا كلا منها باسم وشكل يختلف عن غيرها، وقسموها إلى سعود ونحوس كشأنهم في الكواكب، بأن جعلوا لها ستة ( عشر بيتا طبيعية بزعمهم وكأنها االبروج الاثناعشر التي للفلك، وحكمه حرام ( كما أجمع عليه العلماء)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجذور التاريخية لاسرار الحروف

إن تحديد الجذور التاريخية لنشأة هذا العلم أمر من الصعوبة بمكان بشكلٍ دقيق وخاصةً إذا استقى هذه المعلومات من مصادر عدة فضلاً عن تنوعها لاختلاف معتقدات الذين سطروها ؛ ولذلك سنحاول - إن شاء الله – أن ننقل كلام العلماء الباحثين في هذه المسألة لنتعرف على الحقيقة المقصودة من هذا المبحث . فيرجع البعض هذه الفكرة لأسرار الحروف إلى اليهود ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية( ١) حيث يقول في معرض بيانه للمتشابه والمحكم: (يبين ذلك أن التأويل قد روى أن من اليهود الذين كانوا بالمدينة على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -

كحيى بن أخطب( ٢) وغيره من طلب من حروف الهجاء التي في أوائل السور تأويل بقاء هذه الأمة كما سلك ذلك طائفة من المتأخرين موافقة للصابئة ٣ المنجمين وزعموا أنه ست مئة وثلاثة وتسعون عاما لأن ذلك هو عدد ما للحروف فى حساب الجمل بعد .( إسقاط المكرر وهذا من نوع تأويل الحوادث التى أخبر بها القرآن في اليوم الآخر)( ١ فهنا شيخ الإسلام أرجع أصل هذه الفكرة إلى اليهود الذين اقتبسوا هذه الفكرة من الصابئة . ومن المرجح أن هذا التأثير الذي وقع لليهود من الصابئة كان في فترة النفي البابلي حيث يذكر الدكتور علي النشار( ٢) في كلامه عن اليهود: (ويدل على آثار من تفكير خارجي قد وصل إلى كتب العبرانيين المقدسة، ونفي اليهود إلى بابل، وهناك .( تأثروا بلا شك بالكلدان وبالفرس في طريق حياتهم ، بل في معتقداتهم الدينية)

أما الإمام الشاطبي( ٢) فجعل هذا الفكرة أصلها إلى أرسطو( ٣) حيث قال Sad...علم الحروف وهو الذي اعتنى به البوني( ٤) وغيره ممن حذا حذوه أو قاربه فإن ذلك العلم فلسفة ألطف من فلسفة معلمهم الأول وهو أرسطا طاليس فردوها إلى أوضاع الحروف .( وجعلوها هي الحاكمة في العالم ))( ٥ وقد يتساءل البعض فيقول: هل كان لأرسطو أقوال في مسائل الحروف ( والأعداد لاسيما أن استخدام الأعداد أشتهر عند الفيثاغورين

على هذا التساؤل يجيب أحد الباحثين( ١) أن أرسطو يقرر أن الأشياء في مكوناتها وجوهرها أعداد( ٢) .هذا بالإضافة إلى إذا علمنا أن أرسطو له كتاب في الحروف الذي يعرف بالإلهيات- مرتب على الحروف اليونانية وقد شرحه ونقله العرب وترجموا .( بعضه) وقد دفعني للبحث في كتب البوني ما ذكره عنه الإمام الشاطبي سابقا وأنه اعتنى بهذا العلم؛ فوجدت ذلك صحيحاً لكثرة ما ينقل عن أرسطو وغيره من .( الفلاسفة وعلى كلٍ فإن فلاسفة اليونان والروم( كان لهم استخدام للأعداد . وأن منهم طائفة تزعم بأن النفس إذا صفت تحقق لها المعرفة بأسرار الطبيعة ومعرفة ما في الغيب، وهذا هو ما قالت به الصوفية الغلاة وسيأتي معنا .( الكلام عنهم ( والبعض يرجع التأويل الرمزي إلى الأفلاطونية القديمة نسبةً إلى أفلاطون المثالي وهذا الرأي لا يمنع أن يكون المذهب الفيثاغوري هو الأصل في هذه المسألة( ٣)، لاسيما أن التأويل الرمزي أعم من التأويل باستخدام الأعداد.

الجذور التاريخية لمسألة الكتمان والسرية:

من المتعارف عليه أن الفرق الباطنية عموماً استخدمت منهج السرية والكتمان واستخدام الرموز والأرقام توريةً في نشر مذاهبها؛ خوفاً من انكشاف أمرهم؛ ولكن هذا الأمر أصبح ركيزًا في مذهبهم وممتدًا في أفكارهم الأخرى كما سيتضح معنا،
وأصبح عندهم أئمة مستورين ... وتجد في مؤلفاته م مثلاً :كتاب الكشف لجعفر منصور اليمن يستخدم رموزًا ، من يقرأها لا يعرفها ؟ بينما هي حسب ما فسرها أحد الإسماعيليين المعاصرين ؛ انها عبارات في سب الصحابة وخاصة في سب الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - ؛ وعبارات مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة ومن جهة أخرى نجد أنهم مع هذا الكتمان: (استخدموا واستغلوا تعاطف الناس مع نسب آل البيت وتسموا به)( ٢) لكي ينتشر مذهبهم ويتحقق ما يريدون.

في مسألة الكتمان والسرية هذه يذكر الإمام الجصاص ( ٣): أنها انتقلت إلي الإسماعيلية ؛ بسبب تأثرهم بالصابئة حيث يقول في كلامه عن الصابئة : (وأصل اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة وعبادتها واتخاذها آلهة وهم عبدة الأوثان في الأصل إلا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق مملكة الصابئين وكانوا نبطا لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرا لأنهم منعوهم من ذلك وكذلك الروم وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية فبطلت عبادة الأوثان من ذلك الوقت ودخلوا في عمار النصارى في الظاهر وبقي كثير منهم على تلك النحلة مستخفين بعبادة الأوثان فلما ظهر الإسلام دخلوا في جملة النصارى ولم يميز المسلمون بينهم وبين النصارى إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان كاتمين لأصل الاعتقاد وهم أكتم الناس لاعتقادهم ولهم أمور وحيل في صبيانهم إذا عقلوا في كتمان .( دينهم وعنهم أخذت الإسماعيلية كتمان المذهب) ولا شك أن الصابئة كما ذكر لهم وإلى اليوم المتواجدون منهم في العراق وخاصة فيما يتعلق بالأسرار والحروف معتقدات متشابهه مع معتقدات الفرق الباطنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- هل هناك تناقض بين كلام العلماء في جذور علم أسرار الحروف ؟

قد يرى الناظر فيما سبق أو في كلام أصحاب المقالات والعلماء الذين تكلموا عن أصول وجذور هذه الفكرة ؛ أن هناك تفاوتاً بين أقوالهم. في الحقيقة أنه عند النظر في هذا التفاوت نجد أن هذا لا يعد اختلافاً؛ لأن التأثير وقع بين المذاهب والأديان القديمة متفاوتاً( ٢)، فمثلاً لو أرجع أحدهم هذه الأصول إلى أرسطو وآخر إلى فيثاغورس وآخر إلى الصابئة وآخر إلى اليهود، وآخر إلى المجوس . قلنا إن هذه الأقوال قريبة تدور حول الصحة إن لم تكن صحيحة في ذاتها وهذا يرجع كما قلنا إلى التأثير الواقع بين الجميع فمثلا : ( النصارى تأثروا بالنظريات اليونانية( ٣) ودخلت عليهم الغنوصية( ٤) بسبب تأثير اليهود
ولذلك لا نستطيع أن نقول أن هذا محق وهذا مخطئ بل الكل مجتهد أصاب من الحق ما أصاب بما عنده من دليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

الفرق الحروفية

١-الفلسفة الفيثاغورية : وهذه الفلسفة أخذت بالقول في أن الأعداد هي التي تكون جوهر الأشياء أو بعبارة أخرى أن الأشياء تحاكي الأعداد فمثلاً جعلوا الأعداد العشرة

٢-الفلسفة الفارسية : فنجد أن الباحثين غالبا ما يرجعون أصول فرقة الحروف( ١) إلى أنها تمثل الفلسفة الفارسية أو الديانة الفارسية القديمة

٣- معتقد اليهود – القبالة ( الصوفية اليهودية الحلولية واشهر افكارها ( انهم شعب الله المختار )
وهذا المعتقد تجده في كتب القبالة المليئة بالطلاسم، وهي عبارة عن تعاويذ وجداول وأعداد سحرية تجلب الحظ وتجلب الشر، وخاضت أيضا في الكهانة والعرافة باسم الكتب المقدسة، ويتلخص اعتقادهم في البحث عن المعاني المختفية وراء الحروف والكلمات العبرية ، وفي تكوين كلمات وجناسات تصحيفية وأعداد تستخدم كلها لأغراض سحرية .كما يقومون بالسعي إلى كشف الروابط بين الكلمات من خلال جمع قيمها العددية، وهو ما يعرف عند العرب بحساب الجمل، وفي هذه العملية يحدث تباديل يمكن بواسطتها أن تحل الكلمات ذوات القيم العددية الواحدة ، كل منها محل الأخرى ، وقد تبدي هذه الكلمات عن طريق أعدادها معنى جديدًا يحمل شيئاً من الغرابة والغموض . ومن استخدامهم أيضا أنهم خلطوا وجمعوا الكلمات صورة الأعداد ، وجمعوا أيضاً الأعداد على هيئة كلمات ضمنوها أسماء الله، وأسماء الملائكة ، وعوالم السماء، زاعمين أنهم يتصرفون بجلب الأرواح الخيرة ، ويخمدون النار ويطردون الأمراض( ١). وهذا المعتقد مشابه أو قريب من غلاة صوفية ومن شابههم من الفرق الأخرى كما سيتضح في كلامنا عنهم في الباب الثاني من هذا البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقيقة نسبتة للانبياء واتباعهم متوقف ص 45 يتبع ان شاء الله

تعاليق

مصطفى2
حقيقة نسبتة للانبياء واتباعهم

يعتبر المتصوفة الغلاة أكثر من تكلم في علم الحروف وتعمق فيه بصفة عامة ومن كلامهم أنهم قد أرجعوا ذلك إلى الأنبياء فمثلا ابن عربي( ١) ينسب هذا العلم إلى عيسى – عليه السلام – فيقول: (اعلم أيدك الله أن العلم العيسوي هو علم الحروف ولهذا أعطى النفخ وهو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة فإذا انقطع الهواء في طريق خروجه إلى .( فم الجسد سمي مواضع انقطاعه حروفاً فظهرت أعيان الحروف) وينقل القشيري( ٣) في رسالته أن هذا العلم قد تلقاه آدم – عليه السلام – فيقول: (إن الله تعالى لما خلق الأحرف جعلها سراً له ، فلما خلق آدم عليه السلام .( بث فيه ذلك السر )

ويقول ابن سبعين( ٥): ((واعلم أن علم الحرف علم شريف وسر لطيف من تأليف ادريس - عليه السلام -، حل رموزها وفك معانيها أرسطاليس اليوناني لأجل .( الاسكندر ذي القرنينن ))

وهذه النسبة قال بها أيضا الشيعة الاثناعشرية، ونقلوا كلام الصوفية ومن ذلك ما نقله الحائري( ٢) في إلزام الناصب بأن علم أسرار الحروف من علوم الأنبياء توارثوه إلى أن وصل ذلك العلم إلى الأئمة ونختار من ذلك بعضا من كلامه الذي قال فيه :
(في الينابيع عن الشيخ عبد الرحمن بن محمد علي بن أحمد البسطامي( ٣) - كان أعلم زمانه في علم الحروف [ قال : ] - أما آدم ( عليه السلام ) فهو نبي مرسل خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه.

فأنزل عليه عشر صحائف، وهو أول من تكلم في علم الحروف، وله كتاب سفر الخفايا، وهو أول كتاب كان في الدنيا في علم الحروف ، وذكر فيه أسرارًا غريبة وأمورًا عجيبة، وله كتاب الملكوت وهو ثاني كتاب كان في الدنيا في علم الحروف وصاحب الهيكل الأحمر قد أخذ من شيث - عليه السلام -)( ١). ثم يواصل كلامه إلى أن يصل في ادعائه إلى إضافة هذا العلم إلى الأئمة. وكل هذا الذي ذكروه لا يصح منه شيء، وإنما هو مجرد دعوى لا دليل عليها من الشرع معتبرًا سوى أنها متلقاة من أخبار إسرائيلية لا يوثق بها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فهذا المنقول عن آدم من نزول حروف الهجاء عليه لم يثبت به نقل ولم يدل عليه عقل بل الأظهر في كليهما نفيه وهو من جنس ما يروونه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تفسير ا ب ت ث وتفسير أبجد هوز حطي ويروونه عن المسيح أنه قاله لمعلمه في الكتاب وهذا كله من الأحاديث الواهية بل المكذوبة ولا يجوز باتفاق .( أهل العلم بالنقل أن يحتج بشيء من هذه)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث .. انتقالة الى المسلمين

يذكر ابن خلدون( ١) في هذا الشأن أن( علم أسرار الحروف حدث في هذه الملة وانتقل إليها عند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر ، وتدوين الكتب ( والاصطلاحات) ثم بعد ذلك يبين كيف انتقل إلى الإسلام استخدام الحروف الخاطئ ، وأنه حدث عندما ترجمت كتب الفلاسفة التي كانت سبباً في فتح مسألة استخدام الحروف المقطعة، ومعرفة الآجال من خلال حساب الجُمل، كما فعل الكندي( ٣) في تنبوءه الذي أشرنا له في مبحث علاقة أسرار الحروف بالتنجيم وسيأتي الكلام عنه في مبحث الفلاسفة، حيث يقول ابن خلدون: (وأما بعد صدر الملة وحين علق الناس على العلوم والاصطلاحات ترجمت كتب الحكماء إلى اللسان العربي فأكثر معتمدهم في ذلك كلام المنجمين في الملك والدول وسائر الأمور العامة من القرانات، وفي المواليد ، والمسائل .( وسائر الأمور الخاصة من الطوالع لها وهي شكل الفلك عند حدوثها )

فأرجع السبب في انتقال هذا العلم إلى اختلاط كتب الفلاسفة بالتنجيم ، ولا شك أن هذا الكلام صحيح ؛ فإن هذه الأفكار أساس ضلالها بدأ عندما شرعوا في الترجمة لكتب الفلاسفة، وعندما توسعت رقعة الدولة الإسلامية ودخل في حوزة الدولة من كان قد تلقى وتشرب الأفكار القديمة التي نجم منها ، فتح باب التأويل الذي خاض فيه المتكلمون كثيرًا وتأولوا بعض النصوص وجعلوها من المتشابه التي لابد من تأويلها فمن هذا الباب دخل عليهم وعلى الدين الفلاسفة والمتصوفة والباطنية، وفتحوا الباب وتأولوا الحروف وغيرها وسيأتي الكلام والرد على مزاعمهم في هذه المسألة .

ولكن هذا الكلام من ابن خلدون عام ولم يحدد بشكل دقيق البداية ولكن نجد أنه لم يغفل عن هذا ،بل حاول أن يوجد البداية التي كانت في الاستدلال بالآثار ، ثم كيف انتقلت إلى استخدام الحروف في معرفة المستقبل حيث يقول: (وأما في الدولة الإسلامية فوقع منه كثير فيما يرجع إلى بقاء الدنيا ومدتها على العموم وفيما يرجع إلى الدولة وأعمارها على الخصوص وكان المعتمد في ذلك في من صدر الإسلام لآثار منقولة عن الصحابة وخصوصا مسلمة بني إسرائيل مثل كعب الأحبار( ١) ووهب بن منبه( ٢) وأمثالهما وربما اقتبسوا بعض ذلك من ظواهر مأثورة وتأويلات )( ٣). ومن المهم هنا قبل الاسترسال في الكلام عن النشأة ؛ أن نذكر أن هذه الآثار غير صريحة في تحديد أمد وآجال بقاء الأمة وإنما وردت مجملة.

ثم هي لم تكن في استخدام الحروف كما وقع لمن جاء بعدهم؛ ولذلك سنعوض عنه ولن نتكلم عنها في بحثنا هذا. ونعود لما قرره ابن خلدون، فبعد أن ذكر كلامه السابق عن استخدام الآثار في الاستدلال بها في معرفة الأمد في بقاء الأمة انتقل إلى الكلام عن السهيلي ( ١) الذي استخدم هذه الآثار، ثم أردفها بالاستدلال بالحروف المقطعة التي في أوائل السور ليستدل على أمد الدنيا من خلالها. ومما استدل به في تقريره لاستخدام الحروف المقطعة كان في قصة أبي ياسر وأخيه حيي بن أخطب التي ذكرها ابن إسحاق ونقلها الإمام الطبري( ١) وغيره، وسيأتي الكلام عن هذه القصة والحكم عليها في مبحث حكم أسرار الحروف وموقف العلماء منها. ومن المرجح أن السهيلي في الأصل أخذ هذا التحديد لأجل الأمة من كلام الكندي الفيلسوف المنجم الذي كان له باب السبق في هذا مع الفارق بينهما في المنهج فذاك فيلسوف ومنجم وهذا يذكر آثارًا ثم يستخدم الحروف المقطعة استدلالا بقصة اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحروف المقطعة التي في أوائل السور ، وهذا الاستقاء لهذه الفكرة التي أخذها السهيلي من الكندي رجحه ابن خلدون في مقدمته

حيث قال ( وقال يعقوب ابن إسحاق الكندي إن مدة الملة تنتهي إلى ست مئة وثلاث وتسعين سنه قال لأن الزهرة كانت عند قران الملة في ثمان وعشرين درجة وثلاثين دقيقة من الحوت فالباقي إحدى عشرة درجة وثماني عشرة دقيقة ودقائقهما ستون فيكون ست مئة وثلاثا وتسعين سنة قال وهذه مدة الملة باتفاق الحكماء ويعضده الحروف الواقعة في أول السور بحذف المكرر واعتباره بحساب الجمل قلت وهذا هو .( الذي ذكره السهيلي والغالب أن الأول هو مستند السهيلي فيما نلقناه ) وهذا الاستنتاج من ابن خلدون يقرر مسألة هامة وهي أن التأثير في استخدام الحروف لدى المسلمين لم يكن من آثارًا نبوية وإنما وقع بسبب هذا الانفتاح غير المنضبط مع هذه الفلسفات القديمة والتي نجم عنها ظهور فلاسفة تأثروا بهذه الفلسفات المختلطة بالتنجيم والذي يمثلهم الكندي صاحب هذا الاستخدام والذي تبعه السهيلي في استخدامه وخلطه ببعض الآثار.

لكن هل كان الكندي أول من استخدم الحروف؟

في الحقيقة لم يكن الكندي أول من استخدام الحروف ، وإنما نجد بعد البحث أنه مسبوق من: سهل بن هارون بن راهبون الكاتب( ٢) الذي ربط الحروف العربية بمنازل القمر فقال : (عدد حروف العربية ثمانية وعشرون حرفا على عدد منازل القمر وغاية ما تبلغ الكلمة منها مع زيادتها سبعة أحرف على عدد النجوم السبعة ... وحروف الزوائد اثنا عشر حرفا على عدد البروج الاثناعشر ... ومن الحروف ما يدغم مع لام التعريف وهي أربعة عشر حرفا مثل منازل القمر المستترة تحت الأرض وأربعة عشر حرفا ظاهرا لا تدغم مثل بقية المنازل الظاهرة، وجعل الإعراب ثلاث حركات الرفع والنصب والخفض، لأن الحركات الطبيعية ثلاث حركات: حركة من الوسط كحركة النار، وحركة إلى الوسط كحركة الأرض، وحركة على الوسط كحركة .( الفلك) لكن لو نظرنا إلى استخدامه هذا نجد أنه لم يكن مرتبطاً باستخراج دلالات عددية من الحروف ، ولذلك من هذا الوجه يكون كلام ابن خلدون صحيح لأن الكندي هو أول من استخدم الدلالات العددية من الحروف،

كما أن كلام ابن خلدون صحيح في أن البداية كانت عندما ترجمت كتب الفلاسفة، لأن كلا الاثنين – سهل بن هارون، والكندي – كان لهما ارتباطٌ فيما ترجم في تلك الفترة من الزمان ثم جاء بعد الكندي تلميذه أحمد بن سهل البلخي( ٢) الذي أقبل على أسرار علم التنجيم، وألف رسائل في تأويل الحروف المقطعة، فجاء في معجم الأدباء (أن أبا زيد في أول أمره كان خرج في طلب الإمام إلى العراق، إذ كان قد تقلد مذهب الإمامية) ويرجح الدكتور كامل مصطفى الشيبي أن أبا زيد البلخي حاول استخراج موعد خروج المهدي من الحروف المقطعة، ولذلك خرج إلى العراق ليبحث عن الإمام المنتظر ثم دخل القرن الرابع الهجري، وبدأت الفرق تأخذ ما يناسبها من هذا العلم ، فبدأت الصوفية يمثلها الحلاج تأخذ من علم الحروف ما يناسبها، وكذلك الشيعة والإسماعيلية، إلى أن أصبح هذا العلم مستقرا عندهم على ما سنبينه عن كل فرقة في المباحث القادمة من هذا البحث.

الحاصل أن مما سبق يمكن أن يكون سردًا عاماً يتضح معه بداية انتقال استخدام الحروف إلى المسلمين ، ولكن مع ذلك هناك عدة جوانب ذات صلة ببحثنا تتعلق بمعتقدات الفرق، من المناسب أن نبحث في بداية نشأتها عند المسلمين، على اعتبار أنها مرتبطة بالحروف ومنها:

الجفر

والجفر على ما سيأتي معنا في مبحث الشيعة يزعمون أن فيه علم ما سيقع على طريقة الحروف؛ ولذلك كان من الضروري معرفة بداية نشأته عند المسلمين فعن ذلك يذكر ابن خلدون أنه من رواية هارون بن سعد العجلي( ١) فقال موضحا حقيقته :

(واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعد العجلي وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص)( ١). ثم بعد ذلك نقد هذا الكتاب الذي لم يتصل سنده ولم يعرف عينه إلا أن هذا الرأي قد خالفه أحد الباحثين المعاصرين حيث جعل فكرة الجفر عند الإمامية الاثناعشرية منشأها من فرقة الخطابية( ٣) أتباع أبي الخطاب( ٤) الذي زعم أن جعفر الصادق قد أوصى له من بعده وعلمه اسم الله الأعظم وأمام هذيين الرأيين يحسن بنا إعادة النظر في هذه المسألة بتتبع الأحد اث التاريخية لهذه الأمة لمعرفة بداية النشأة، فلو رجعنا إلى الوراء ونظرنا في أحداث الفتنة التي وقعت بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان لوجدنا أن ثمة فكرة قد بثها مع عدة أفكارٍ أخرى رأس من رؤوس تلك الفتنة وهو: عبد الله بن سبأ( ١)،

وهذه الفكرة تركزت حول وجود علم سري عند الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأن الوحي يأتيه وأنه شريك النبي صلى الله عليه وسلم ووصيه( ٢). وانتشرت عند الناس مبكرًا في زمن علي - رضي الله عنه - كما سيأتي بيانه في مبحث الشيعة عند كلامنا عن الجفر عندما أتى بعض الصحابة وسألوا علياً - رضي الله عنه - هل عندهم كتاب خصهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - كل هذه الوقائع تؤكد أن ابن سبأ له السبق في بداية القول في نسبة كتاب الجفر لآل البيت وهذا ما أرجحه وعلى فرض أي مما ذكرنا سابقاً سواء كان هارون العجلي أو أبو الخطاب أو ابن سبأ فجميعهم لهم دور في تكوين هذه الفكرة كبداية ، ولكن يبقى السؤال المهم

وهو: متى كانت بداية إضافة علم الحروف إلى كتاب الجفر ؟

وفي الإجابة على هذا التساؤل لا أستطيع الجزم بتحديدها بشكل دقيق ولكن من المؤكد عندي أن فكرة إضافة علم الحروف للجفر بدأت بالتدريج فكانت مجرد فكرة ثم تطورت وأضيف علم الغيب لهذا الكتاب، مع الغلو الناشئ والمتزايد مع الأحداث في آل البيت ، ولما استقر عندهم أن هذا الكتاب فيه كل ما سيقع في المستقبل ولم يعرف عينه بدأت إضافة علم الحروف إليه لعلاقته بعلم الغيب . ثم بعد ذلك أخذت في التوسع على ما سيأتي في كلامنا في مبحث الشيعة .
بداية استخدام الحروف وربطها بالمعتقدات:

وأما ما يتعلق بربط الحروف بالمعتقدات فلم يظهر لي كلام لأحد العلماء أو حتى الباحثين المعاصرين عن جذور هذا الاستخدام ، ولكن من خلال البحث ظهر لي أن فرقة المغيرية( ١) أصحاب المغيرة بن سعيد( ٢) التي ظهرت تقريباً في القرن الأول من الإسلام قد ذكر أصحاب كتب المقالات عن هذه الفرقة أنهم كانوا يعبدون رجلا من نور وأن حروف أبي جاد على عدد أعضائه( ١)، فربما كانت هذه البداية للإسماعيلية والفرق الباطنية التي استخدمت الحروف والأعداد في معتقدهم. ولكن يبقى مجرد ظن لأنه لم يكن للإسماعيلية منهجا مستقرًا في تلك الفترة. وأخيرًا في نهاية هذا المبحث بقي أن ننبه لمسألة هامة ذات علاقة بهذا المبحث وهي

أن البعض قد يخلط بين مسألة كانت عند المسلمين من السابق تتعلق بعد آيات القرآن فيذكرها في المسار التاريخي للإعجاز العددي - الذي جعله في حساب عدد آيات معينة، أو في استخدام حساب الجُمل في معرفة المستقبل كما سيأتي معنا في الفصل الثالث من هذا البحث في مبحث التطبيقات - وأنها مرحلة من مراحله، وهذا وإن التقيا في مسألة العد ولكن في الحقيقة أن الأمر يختلف بينهما كليا؛ إذ أن العد في بداية الأمر كان له أسباب منها تقسيم القرآن إلى وحدات متماثلة ، كما هو معروف الآن بالأجزاء والأحزاب والربعات ؛ تسهيلاً على الأمة لما في ذلك من نفع
ومنها لكي يستفيد منها طالب العلم في علوم القرآن والقراءات وذلك لتعلقه بالمكي والمدني ، وعدد الآيات وفواصلها

ومنها: لمعرفة الأوجه بين السور الآيات لمعرفة الفروق بين القراءات ( ٣). ولم يكن هدفهم معرفة المستقبل من خلال هذا العد ، أو تقديس رقم ١٩ أو غيره من الأرقام ، أو إضاعة الأوقات في البحث والمقارنة بين الأعداد والحروف التي في آيات معينة لإيجاد علاقة خاصة بينهما ؟! - كما سيأتي معنا في الفصل الثالث في مبحث التطبيقات المعاصرة - بل الأمر يختلف بينهما فلا يمكن أن يقال هذا من الإعجاز العددي، أو أنه في مساره التاريخي، وأنه تطور باستخدام يوافق العصر الحديث

يتبع ان شاء الله
مصطفى2
حكم تعلم اسرار الحروف وحساب الجمل وموقف علماء الاسلام منة

إن الكلام عن حكم تعلم أسرار الحروف في الحقيقة يحتاج إلى تفصيل أكثر، لأن الاستخدمات فيه متنوعه كما اشرنا في مبحث المفهمو الاصطلاحي فالأمر قد يرجع إلى استخدام الفرقة وما يرتبط بمعتقدها ، وقد لا يكون مرتبطاً بمعتقد فرقة معينة كما وقع لأصحاب الإعجاز العددي واستخدامهم لحساب الجمل في معرفة الغيب، وتمهيدًا لذلك من المناسب أن نذكر هذا الاستخدامات فيما يلي:

الاستخدام الأول: وهو استخدام بدون توسع كأن يستخدمه لمعرفة مدة زمن الأمم بواسطة الحروف المقطعة، وحساب الجُمل( ١) ، كما روي في قصة اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق حساب الجُمل التي ستأتي معنا قريبا عند ذكرنا الأقوال العلماء وأدلتهم في هذا الاستخدام . وهذا الاستخدام لا أصل له ولكنه بلا شك أخف في حكمه من الاستخدامين التالين، إذا لم يتجاوز هذا الحد .

الاستخدام الثاني : وهو استخدامه في التنجيم ؛ حيث يجعلون لكل حرف منها قدراً من العدد معلوماً ، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها ، ويجمع جمعاً معروفاً عندهم ، ثم يطرحون منه طرحاً خاصاً ، ويثبتونه إثباتاً خاصاً ، وينسبون إلى الأبراج الاثناعشر المعروفة عند أهل الحساب ، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها( ٢) وهذا حكمه يلحق بحكم التنجيم المحرم .

الاستخدام الثالث: استخدام يجعل الحروف من العلوم المخزونة عند الله تعالى وهو من العلوم التي اختص بها أهل القلوب الطاهرة من الأنبياء والأولياء ( ٣) وأنها أصلا في الإيجاد، ولها طبائع وخواص يستخدم في الأذكار والأوفاق والتصرف وغير ذلك وهذا حكمه كحكم البدع، وغالباً ما يتبعها وقوع في شركيات كما سيتضح في مبحث الصوفية. الحاصل أن هذا التقسيم لهذه الاستخدامات تختلف في الحكم عليها لكن من المتفق عليه أنها جميعاً لا أصل لها في الدين، وأنها دخيلة عليه كما بيناه في مبحث الجذور التاريخية.

تفصيل الكلام في الحكم على هذه الاستخدامات :

الاستخدام الأول وأقوال العلماء فيه :

أولاً: القائلون بجوازه :
وهم: السهيلي( ٢)، وابن الزملكاني الجد () والألوسي الجد ’ والصوفية والشيعة إضافة للفرق المنتسبة كالباطنية والفلاسفة( ٦) ، كما سيتضح معنا في الكلام عن الفرق

الأدلة التي اعتمدوا عليها :

١- الرواية التي ذكرها الطبري وغيره من المفسرين عن واقعة حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر مع النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم في تحديد أمد الأمة من الحروف المقطعة في أوائل السور. وقد استدل بها السهيلي، أما ابن الزملكاني الجد( ١) والفرق الأخرى فاستدلوا على جوازه من منطلقات أخرى كما سيأتي في الكلام عنهم .

ونص هذه الرواية بسندها كما نقلها الطبري بسنده:حيث قال: (حدثنا محمد بن حميد الرازي( ٢)، قال: حدثنا سلمة بن الفضل( ٣) قال: حدثني محمد بن إسحاق ، ( قال : حدثني الكلبي عن أبي صالح( ١)، عن بن عباس، عن جابر بن عبد الله ابن رئاب، قال: ( مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه }[ ٢] البقرة - فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله عز وجل عليه{الم ذلك الكتاب }فقالوا : أنت سمعته ؟

قال : نعم ، فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله فقالوا : يا محمد ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك { الم ذلك الكتاب } فقال رسول الله (( بلى )) فقالوا : أجاءك بهذا جبريل من عند الله ؟ قال : (( نعم )) . قالوا : لقد بعث الله جل ثناؤه قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك، فقال حيي بن أخطب : وأقبل على من كان معه فقال لهم : الألف : واحدة ، واللام : ثلاثون ، والميم : أربعون ، فهذه : إحدى وسبعون سنة ، قال فقال لهم : أتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة قال : ثم أقبل على رسول الله فقال : يا محمد هل مع هذا غيره ؟ قال : ((نعم )) قال ماذا قال (({ المص} [ الأعراف : ١] )) قال : هذه أثقل وأطول الألف : واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، فهذه : مئة وإحدى وستون سنة ، هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال " ((نعم )) قال ماذا ؟ قال (( {الر}[يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر : ١] )) قال: هذه أثقل وأطول الألف: واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مئتان ، فهذه إحدى وثلاثون ومئتا سنة . فقال : هل مع هذا غيره يا محمد ؟ قال : (( نعم ، {المر } [الرعد : ١] قال فهذه أثقل وأطول الألف :واحدة ، واللام : ثلاثون ، والميم : أربعون ، والراء: مئتان ، فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة .

ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ؟ ثم قاموا عنه فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار : ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون وإحدى وستون ومئة ومئتان وإحدى وثلاثون ومئتان وإحدى وسبعون فذلك سبع مئة سنة وأربع وثلاثون فقالوا لقد تشابه علينا أمره .

الدليل الثاني الذي استدلوا به في تعلم أبي جاد هو: ما ذكره أسلم الواسطي بسنده: قال : ثنا الحسن بن شبيب بن راشد( ٢) قال ثنا محمد بن زياد( ٣) عن الفرات بن أبي الفرات( ١) عن معاوية بن قرة( ٢) عن أبيه( ٣) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تعلموا أبا جاد ، ويلٌ لعالم يجهل تفسير أبي جاد))( ٤). ويجب التنبيه أن هذا الدليل لم يستدل به السهيلي وإنما استدل به الرافضة وغيرهم.

ثانياً : أدلة القائلين بمنعه وتحريمه والذين صرحوا بمنعه وتحريمه ولهم كلام في النهي عنه هم: ابن عباس( ٦)، والقاضي ابن العربي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ، والإمام الذهبي ، وابن خلدون وابن حجر والسخاوي والسيوطي ،والصالحي والشاطبي والإمام الشوكاني والإمام الصنعاني والشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد رشيد رضا ومحمد عبده وعبد الرحمن بن حسن آل شيخ وعبد الرحمن المعلمي وغيرهم كما أن كثيرًا من المفسرين جعلوا استخدام حساب الجمل من الحروف المقطعة في معرفة الغيب من اتباع المتشابه ومنهم .( الإمام البغوي( ٣)، وعلاء الدين الخازن( ٤)، والواحدي، والكلبي، والسمرقندي
يتبع ان شاء الله
مصطفى2
التقويم لما سبق عرضه في أدلة القائلين بجوازه:

بالنسبة لواقعة حيي بن أخطب: فهذه الواقعة لا تثبت أصلاً ويكفي في ردها أن في سندها محمد بن السائب الكلبي الكذاب، ثم أيضاً الإمام الطبري الذي نقل هذه الرواية قد رد هذه الرواية، ولم يقبلها حيث قال بعد أن ذكرها: (كرهنا ذكر الذي حكى ذلك عنه، إذ كان الذي رواه ممن لا يعتمد على روايته ونقله)( ١) وعلى فرض صحتها فإنه ليس فيها ما يدل على جواز استخدام حساب الجُمل لمعرفة الآجال، بل إن من العلماء من ما يستدل بها على المنع، منهم راوي هذه الواقعة وهو محمد بن إسحاق الذي جعلها من سبيل التعنت، وتلبيس الحق بالباطل حيث قال:

(وكان ممن نزل فيه القرآن بخاصة من الأحبار وكفار يهود الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بن رئاب )( ٢)، وحتى العلماء الذين ذكروا هذه الواقعة في تفسيرهم، ولم يشيروا إلى عدم قبولها من حيث الصنعة الحديثية؛ لم يقبلوها دليلاً يستند عليه ومنهم الإمام البيضاوي حيث قال ( (والحديث لا دليل فيه لجواز أنه عليه الصلاة والسلام تبسم تعجبا من جهلهم ) لكن السهيلي خالف أقوال العلماء وأخذ من هذه القصة دليلاً على جواز استخدام الحروف المقطعة في معرفة وتحديد أجل الأمة، بالإضافة إلى تكلفه ، وربط الأمر بأحاديث أخرى

حيث قال: (وهذا القول من أحبار يهود وما تأولوه من معاني الحروف محتمل حتى الآن أن يكون من بعض ما دلت عليه هذه الحروف، فإن رسول الله لم يكذبهم فيما قالوا من ذلك ولا صدقهم، وإذا كان في حد وجب أن يفحص عنه في الشريعة هل يشير إلى صحته كتاب أو سنة

فوجدنا في قوله تعالى { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿٤٧﴾الحج - ووجدنا في حديث زمل الخزاعي( ٤) حين قص رسول الله رؤيا وقال ( فيها رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات وإلى ناقة عجفاء كأنك تبعثها ، ففسر له النبي الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها في المنبر ودرجاته الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفا)( ١) والحديث وإن كان الإسناد ضعيفاً فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه قال (الدنيا  سبعة أيام يوم ألف سنة ..

ثم بعد هذا التمهيد بدأ بإدخال فكرة الحروف المقطعة حيث قال: (ولكن إذا قلنا إنه عليه السلام بعث في الألف الآخر بعدما مضت منه سنون ونظرنا بعد إلى الحروف المقطعة في السور وجدناها أربعة عشر حرفا يجمعها قولك ( ألم يسطع نص حق كره ) ثم نأخذ العدد على حساب أبي جاد فنجد

(ق) : مئة.
و( ر) : مئتين.
و(س) : ثلاث مئة فهذه ست مئة.
(ع) : سبعين وستين فهذه سبع مئة وثلاثون.
و( ن ) : خمسين.
و( ك) : فهذه ثماني مئة.
و (م) : أربعين.
و(ل) : ثلاثين .
فهذه ثماني مئة وسبعون.
و( ط ) و( أ ) واحد . فهذه ثماني مئة وتسعون .
و (ح) : ثمانية.
و( ه ) : خمسة فهذه تسع مئة وثلاثة .

ولم يسم الله سبحانه في أوائل السور إلا هذه الحروف فليس يبعد أن يكون من بعض وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين؛ لما قدمناه في حديث الألف السابع الذي بعث فيه عليه السلام غير أن الحساب محتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته وكل قريب بعضه من بعض فقد .( جاء أشراطها) فنقول كما ذكرنا سابقاً الرواية التي اعتمد عليها لا تصح أصلاً ولا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن في إسنادها ضعف كبير جدًا. وإن صحت فلا دليل فيها.

وفي الرد على كلام السهيلي ومن وافقه يقول الحافظ ابن كثير في رد هذا الرواية :

(فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأطم  وأعظم والله أعلم) كما ضعف هذه الرواية الإمام السيوطي( ٣). وممن أطال الكلام في هذه المسألة ابن خلدون حيث قال : (ولا يقوم من القصة دليل على تقدير الملة بهذا العدد لأن دلالة هذه الحروف على تلك الأعداد ليست طبيعية ولا عقلية وإنما هي بالتواضع والاصطلاح الذي يسمونه حساب الجمل نعم إنه قديم مشهور وقدم الاصطلاح لا يصير حجة ،وليس أبو ياسر وأخوه حيي ممن يؤخذ رأيه في ذلك دليلا ولا من علماء اليهود، لأنهم كانوا بادية بالحجاز غفلا عن الصنائع والعلوم حتى عن علم شريعتهم، وفقه كتابهم
وملتهم، وإنما يتلقفون مثل هذا الحساب كما تتلقفه العوام في كل ملة، فلا ينهض للسهيلي دليل على ما ادعاه من ذلك

وأما الآثار التي ذكرها السهيلي التي استدل بها في تحديد بقاء الدنيا فلا يثبت فيها شيء . وممن ناقش السهيلي ورد عليه الحافظ ابن حجر( ٢) في الفتح وأجاد، في بيان بطلان كلامه من جهة أن السند ضعيف جدًا، ومن جهة أن طريقة حساب الجمل أبي جاد - التي استخدمها غير صحيحة في ذاتها . حيث قال بعد أن نقل كلام العلماء في حديث( ٣) بن زمل : ( وهو مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مئتين وعشرة فإن السين عند المغاربة: بثلاث مئة ، والصاد  بستين،

وأما المشارقة فالسين عندهم : ستون ، والصاد : تسعون فيكون المقدار  عندهم: ست مئة وثلاثة وتسعين . وقد مضت وزيادة عليها مئة وخمس وأربعون سنة فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل . وقد ثبت عن بن عباس الزجر عن عد أبي جاد، والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة. وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي وهو من مشايخ السهيلي في فوائد رحلته ما نصه: ( ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور، وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ولا اعرف أحدا يحكم عليها بعلم، ولا يصل فيها إلى فهم إلا أني أقول فذكر ما ملخصه أنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا بينهم لكانوا  أول من أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بل تلى عليهم : {ص } [ ص: ١ و{حم } [ غافر، فصلت ،الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف : ١] وغيرهما فلم ينكروا ذلك بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة، مع تشوفهم إلى عثرة وحرصهم على زلة ؛ فدل على أنه  كان أمرًا معروفاً بينهم لا إنكار فيه) .

قلت : وأما عد الحروف بخصوصه فإنما جاء عن بعض اليهود كما حكاه بن إسحاق في السيرة النبوية عن أبي ياسر بن أخطب وغيره أنهم حملوا الحروف التي في أوائل السور على هذا الحساب واستقصروا المدة أول ما نزل {الم}[ البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة : ١ ] و {الر}[يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر : ١] فلما نزل بعد ذلك {المص} [ الأعراف : ١] و{طسم} [الشعراء ، القصص : ١ ]وغير ذلك قالوا : ألبس علينا  الأمر.  ثم بعد هذا أخذ الحافظ يناقش هذه المسألة ليثبت أنها أيضا باطله في نفسها وأنه لا ضابط لها وتساءل في نقدها عن أمرين:

الأول : لماذا  يحذف منها المكرر إذا كان بزعمهم أن لكل حرف سر يخصه؟!

الثاني : عن طريقة حساب الجمل – أبي جاد - التي استخدمها وأنها غير صحيحة في ذاتها وغير منضبطة ؛ وذلك أن حساب الجمل يختلف مابين المغاربة والمشارقة وإذا كان كذلك فإن النتيجة في الحساب قد تختلف وهدف الحافظ أن يبين أن حساب الجمل هو بالتواضع والاتفاق، وليس له أصل في الدين حيث قال : ( وعلى تقدير أن يكون ذلك مرادًا فليحمل على جميع الحروف الواردة، ولا يحذف المكرر، فإنه ما من حرف منها إلا وله سر يخصه، أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور ولو تكررت الحروف فيها، فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة وعدد
حروف الجميع ثمانية وسبعون حرفا وهي :

{الم}[ البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة ] : (ستة) . {حم } [ غافر، فصلت ، ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف : ١] : (ستة) . {آلر }[يونس ، هود ، يوسف ، [ إبراهيم ، الحجر : ١] خمسة. {طسم} [الشعراء ، القصص: ١ ] اثنتان . {المص } [ الأعراف :] ، {طه} - { المر } [الرعد : ١] { كهيعص }[مريم : ١] {حم عسق } [الشورى [طه: ١] ، {طس} [النمل : ١] { يس } [ يس : ١] { ص} [ ص: ١] ، { ق} [ق: ١] {ن} . [ [القلم: ١ )   فإذا حذف ما كرر من السور وهي : خمس من {الم } . وخمس من {حم }.
وأربع من {الر } وواحدة من{ طسم } بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمانية وثلاثون حرفا . فإذا حسب عددها بالجمل المغربي بلغت : (ألفين وستمائة وأربعة  وعشرين) وأما بالجمل المشرقي فتبلغ : (ألفا وسبعمائة وأربعة وخمسين)

ثم في ختام هذا النقاش العقلي الذي احتج به الحافظ على السهيلي ومن تبعه بين أن السبب في إيراد هذا ؛ لبيان فساد طريقتهم تترلاً معهم، وحتى لا يفهم أو يؤخذ عنه هذا الكلام مقتطعاً لينسب له أنه مقر لهذه الطريقة، أو أنه مستدرك على السهيلي لبيان الصواب من الطريقة حيث قال : (ولم أذكر ذلك ليعتمد عليه إلا لأبين أن الذي جنح  إليه السهيلي لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه ) .

وأما الأثر الذي ذكره السهيلي عن ابن عباس فالظاهر أنه حكاه عن مسلمة أهل الكتاب، وهذا ما رجحه ابن خلدون كما تقدم معنا، وهذا أيضاً ما رجحه الألباني في تخريجه للحديث( ١) ومما يؤكد ذلك أني وجدت أن أصحاب كتب التفسير يذكرون قصة عن اليهود في كلامهم عن سبب نزول قوله تعالى {  وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّـهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٠﴾} [البقرة : ٨٠ ].  ولأهمية هذا النص ننقله بتمامه حتى يتضح المُراد أكثر من خلاله قال ابن عباس ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام، ثم ينقطع العذاب،

فأنزل الله في ذلك من قولهم { وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّـهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٠﴾}} [البقرة)  فتلاحظ أن ابن عباس لم يذكر عن اليهود ما زعموه مقرًا بصحته ، بل الظاهر من كلامه أنه على العكس غير مقرٍ بما زعموا . وإذا كان كذلك فلا يصح الاستدلال به في هذه المسألة .

ثم هذه الأحاديث هي مخالفة لصريح القرآن إذ لو كانت صحيحة لعلمها كل أحد،وهذا غير صحيح، وهذا ما احتج به العلماء في رد كلام من احتج بهذه الأحاديث، ومن أفضل من رد هذه الاثار الإمام ابن القيم( ٣) حيث قال: (ومنها: مخالفة الحديث صريح القرآن كحديث مقدار الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن في الألف السابعة ،وهذا من أبين الكذب لأنه لو كان صحيحا لكان كل أحد عالما أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وإحدى وخمسون سنة والله تعالى يقول (يَسأَلونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرساها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ رَبّي لا يُجَلّيها لِوَقتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأتيكُم إِلّا بَغتَةً يَسأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ اللَّـهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ ﴿١٨٧﴾ ) الاعراف . وقال الله تعالى (إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿٣٤﴾ لقمان .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله )) ثم في آخر كلامه قال: (ثم قوله في الحديث ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))( ٣) يعم  كل سائل ومسؤول فكل سائل ومسؤول عن هذه الساعة شأنهما كذلك .. )

ويقول الحافظ ابن كثير في رده لهذه الأحاديث: (لا أساس للإسرائيليات التي تحدد ما مضى وما بقي من الدنيا كما لا يعلم مقدار ما مضى إلا الله عز وجل والذي في كتب الإِسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئات من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخبطهم فيه وتغليطهم ، وهم جديرون بذلك حقيقيون به وقد ورد في حديث: (الدنيا جُمْعَة. من جُمع الآخرة ). ولا يصح إسناده أيضاً، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد وقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده وقد قال الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿٤٢﴾ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴿٤٣﴾ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ﴿٤٤﴾ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴿٤٥﴾ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴿٤٦﴾ النازعات

فالحافظ هنا أشار في كلامه لمسألة هامه جدًا غفل عنه الكثير ممن خاض في هذا  الأمر وهي معرفة المدة السابقة لزمن الدنيا فلا أحد يعرف مدتها وهم مختلفون فيها ، فلو فرضنا صحة هذه الأحاديث لم يكن من السهل تحديد أمد الدنيا بل لا طائل من هذا. أما ما يتعلق بالدليل الثاني : وهذا الدليل استدل به الرافضة وهو موضوع واه لا يحتج به. كما بينا في ترجمة سنده وخاصة محمد بن زياد الذى أجمع علماء الحديث على تضعيفه، وأكثرهم على تكذيبه واتهامه بالوضع . وإذا كان هذا حاله فكيف يقبل حديثه ؟! وخاصة فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد التي لا يقبل فيها الأحاديث الضعيفة ، قال شيخ الاسلام في كلامه عن هذه المسألة:

(والمقصود هنا أن العلم لا بد فيه من نقل مصدق، ونظر محقق، وأما النقول الضعيفة لا سيما المكذوبة فلا يعتمد عليها وكذلك النظريات الفاسدة والعقليات .( الجهلية الباطلة لا يحتج بها) وقد ذكر في موضع قبل كلامه السابق أن ابن جرير الطبري – رحمه الله – قال بعد إيراد هذا الحديث : (ولو كانت الأخبار التي رويت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - في ذلك صحاح الأسانيد لم يعدل عن القول بها إلى غيرها، ولكنها واهية الأسانيد غير جائز الاحتجاج بمثلها، وذلك أن محمد بن زياد الجزري الذي حدث حديث معاوية بن  قرة عن فرات عنه غير موثوق بنقله )

وقال ايضاً : (وقد تنازع الناس في أبجد هوز حطى فقال طائفة هي أسماء قوم قيل أسماء ملوك مدين أو أسماء قوم كانوا ملوكا جبابرة وقيل هي أسماء ستة الأيام التى خلق الله فيها الدنيا والأول اختيار الطبري وزعم هؤلاء أن أصلها أبو جاد مثل أبى عاد  وهواز مثل رواد وجواب وانها لم تعرب لعدم العقد والتركيب ) وفي تبين حقيقة هذه الحروف قال : (والصواب أن هذه ليست أسماء لمسميات وإنما ألفت ليعرف تأليف الأسماء من حروف المعجم بعد معرفة حروف  المعجم، ولفظها أبجد هوز حطى ليس لفظها أبو جاد هواز) وقال ايضا مبيناً حكم استخدام حساب الجمل من الحروف المقطعة بعد أن تكلم عن الكندي: ( وهذه الأمور وأشباهها خارجة عن دين الإسلام، محرمة فيه ، فيجب إنكارها، والنهي عنها على المسلمين على كل قادر بالعلم والبيان واليد واللسان، فان ذلك من أعظم ما أوجبه الله من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ،

وهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل، وسوس الملل، ولا ينفق الباطل في الوجود إلا بشوب من الحق كما أن أهل الكتاب لبسوا الحق بالباطل بسبب الحق اليسير الذي معهم ، يضلون خلقا كثيرا عن الحق الذي يجب الإيمان به ويدعونه إلى الباطل الكثير الذي هم عليه وكثيرا ما يعارضهم من أهل الإسلام من لا يحسن التمييز بين الحق والباطل ، ولا يقيم الحجة التي تدحض باطلهم، ولا يبين حجة الله التي أقامها برسله، فيحصل بسبب  ذلك فتنة وقد بسطنا القول في هذا الباطل ونحوه في غير هذا الموضع والله أعلم) وبعد هذا العرض يتضح أن القول الراجح من القولين هو قول من حرمه ومنعه ؛ لقوة الأدلة فيه وموافقتها لأدلة الشرع ؛ ولأن عليها جم غفير من علماء الأمة من السلف والخلف .
ــ
أما الاستخدام الثاني وهو ما يتعلق باستخدامه في التنجيم وادعاء الغيب فهو نوع من أنواع التنجيم، أو أنه يلحق بعلم التنجيم، فهذا حكمه حكم التنجيم لا مرية فيه فقد أجمع العلماء على تحريمه( ٤)؛ لأنهم قد جعلوا هذه الحروف دلالات وعلامات على الحوادث الأرضية ، وادعاء علم الغيب منها بشرط أن لا يقترن مع ذلك عبادة لكواكب، أو استعانة، أو توكل عليها، أو صرف عبادة لتلك الكواكب، وإلا انتقل الحكم إلى الشرك الأكبر والخروج عن الملة. وذلك لتضافر الأدلة على تحريمه( ١)

يقول الامام القرطبي في كلامه عن تفسير قوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴿٢٧﴾ ) الجن -

قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعها ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ، ودلالة صادقة على نبوتهم . وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر  بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه.)

وجعل الإمام البغوي( ٣) استخراج بقاء الأمة من الحروف المقطعة من اتباع  المتشابه حيث قال : (وقيل ابتغاء عاقبته وطلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل ) وزاد الخازن وقال: (وابتغاء تأويله أي تفسيره . وأصل التأويل في اللغة : المرجع والمصير تقول: آل الأمر إلى كذا إذا رجع إليه وتسمى العاقبة تأويلاً لأن الأمر يصير إليه. قال ابن عباس في قوله : وابتغاء تأويله أي طلب بقاء ملك محمد صلى الله عليه  وسلم.)
مصطفى2
ويقول شارح كتاب التوحيد

(وادعاء علم الغيب الذي استأثر الله به ، وكتابة أبي جاد وتعلمها لمن يدعي بها معرفة علم الغيب هو الذي يسمى علم الحروف ولبعض المبتدعة فيه مصنف، فأما تعليمها للتهجي وحساب الجمل فلا بأس بذلك)وأخرج الطبراني بسنده قال : حدثنا الحسين بن اسحاق التسترى ثنا خالد بن يزيد العمرى ثنا محمد بن مسلم ثنا ابراهيم بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ) : رب معلم حروف أبي جاد ، دارس في النجوم ، ليس له عنه الله خلاق يوم القيامة ) . ( المعجم الكبير10980 )

وروي عن بن عباس قال : (إن قوما يحسبون أبا جاد وينظرون في النجوم ولا أرى لمن فعل ذلك من خلاق)والحديث الذي في الطبراني ليس حجة في بابه لعدم صحة ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن نذكره هنا لعلاقته بهذه المسألة.

ويقول ابن كثير : ( وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث، والفتن والملاحم، فقد ادعى ماليس له وطار في غير مطاره وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته)

أما الاستخدام الثالث : فهو في حكم البدع المحدثة وإذا تعلقت بشركيات زاد فيها النهي ووقع صاحبها في الشرك ، فتجد أن الصوفية والرافضة ومن شابههم جعلوها عبادة. ومعلوم أن كل عبادة مخالفة لقواعد هذه الشريعة ومقاصدها فهي بدعة، يقول الإمام الشاطبي( ٤): ( فإن كان أصلها غير مشروع فهي بدعة حقيقية مركبة كالأذكار والأدعية بزعم العلماء أنها مبنية على علم الحروف، وهو الذي اعتنى به البوني وغيره ممن حذا حذوه أو قاربه فإن ذلك العلم فلسفة ألطف من فلسفة معلمهم الأول وهو أرسطاطاليس،

فردوها إلى أوضاع الحروف، وجعلوها هي الحاكمة في العالم، وربما أشاروا عند العمل بمقتضى تلك الأذكار وما قصد بها إلى تحرى الأوقات والأحوال الملائمة لطبائع الكواكب، ليحصل التأثير عندهم وحيا، فحكموا العقول والطبائع - كما ترى - وتوجهوا شطرها، وأعرضوا عن رب العقل والطبائع، وإن ظنوا أنهم يقصدونه اعتقادا في استدلالهم لصحة ما انتحلوا على وقوع الأمر وفق ما يقصدون، فإذا توجهوا بالذكر والدعاء المفروض على الغرض المطلوب حصل سواء عليهم أنفعا كان أم ضرا وخيرا كان أم شرا ويبنون على ذلك اعتقاد بلوغ النهاية في إجابة الدعاء، أو حصل نوع من كرامات الأولياء كلا ليس طريق من مرادهم ولا كرامات الأولياء أو إجابة الدعاء من نتائج أورادهم فلا تلاقى بين الأرض والسماء ولا مناسبة بين النار والماء فإن قلت فلم يحصل التأثير حسبما قصدوا

فالجواب إن ذلك في الاصل من قبيل الفتنة التي اقتضاها في الخلق { ذلك تقدير العزيز العليم } فالنظر إلى وضع الأسباب والمسببات أحكام وضعها البارى تعالى في النفوس يظهر عندها ما شاء الله من التأثيرات على نحو ما يظهر على المعيون عند الإصابة، وعلى المسحور عند عمل السحر، بل هو بالسحر أشبه لاستمدادهما من أصل واحد. وشاهده ما جاء في الصحيح خرجه مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول ( أنا عند ظن عبدي بى وأنا معه إذا دعاني ) - وفي بعض الروايات - ( أنا عند ظن عبدي بن فليظن بى ما شاء ) وشرح هذه المعاني لا يليق بما نحن فيه.
والحاصل أن وضع الأذكار والدعوات على نحو ما تقدم من البدع المحدثات لكن تارة كون البدعة فيها إضافية باعتبار أصل المشروعية)

- وفي تعاطي هذا العلم المبني على علم الحرف يجعله الإمام الشاطبي من قسم العلوم التي لا أصل لها بل هي وهم وتخييل فيقول: ((والقسم الثالث وهو ما ليس من الصلب ولا من الملح ما لم يرجع إلى أصل قطعي ولا ظني، وإنما شأنه أن يكر على أصله أو على غيره بالإبطال....)) ثم يتابع ويقول: (( وحقيقة أصله وهم وتخييل لا حقيقة له مع ما ينضاف إلى ذلك من الأغراض والأهواء كالإغراب باستجلاب غير المعهود، والجعجعة بإدراك ما لم يدركه الراسخون، والتبجح بأن وراء هذه المشهورات مطالب لا يدركها إلا الخواص، وأنهم من الخواص، وأشباه ذلك مما لا يحصل منه مطلوب، ولا يحور منه صاحبه إلا بالافتضاح عند الامتحان حسبما بينه الغزالي( ٢) وابن العربي.

ومن تعرض لبيان ذلك من غيرهما ومثال هذا القسم ما انتحله الباطنية في كتاب الله من إخراجه عن ظاهره ، وأن المقصود وراء هذا الظاهر، ولا سبيل إلى نيله بعقل ولا نظر، وإنما ينال من الإمام المعصوم تقليدا لذلك الإمام. واستنادهم فى جملة من دعاويهم إلى علم الحروف وعلم النجوم ولقد اتسع الخرق فى الأزمنة المتأخرة على الراقع فكثرت الدعاوى على الشريعة بأمثال ما ادعاه الباطنية حتى آل ذلك إلى مالا يعقل على حال فضلا عن غير ذلك ويشمل هذا القسم ما ينتحله أهل السفسطة والمتحكمون وكل ذلك ليس له أصل ينبنى عليه ولا ثمرة تجنى منه فلا تعلق به بوجه))( ٣).وهذا العلم قد جعله الامام السيوطي من أصناف العلوم المحرمة فقال: ((الرابع حرام كالفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر هذا مافي الروضة ودخل في الفلسفة المنطق وصرح به النووي في طبقاته وابن الصلاح في فتاويه وخلائق آخرون ومن هذا القسم علم الحرف صرح به الذهبي وغيره)

ويقول الشيخ حافظ حكمي( ٢): (ومنها ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد، ويجعل لكل حرف منها قدرا من العدد معلوما، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمة والأمكنة وغيرها، ويجمع جمعا معروفا عنده، ويطرح منها طرحا خاصا، ويثبت إثباتا خاصا وينسبه إلى الأبراج الإثني عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان) وسيأتي الكلام عن معتقد الفرق والرد عليه مفصلاً في المباحث المتعلقة بالفرق لكن هناك مسألة مرتبطه بموضوعنا وهي تتعلق بحكم الأذكار التي بنيت على علم الحرف أو ما يسمى بعلم الأوفاق ؛

ففيها أقوال نبينها فيما يلي : وقبل أن نذكر الأقوال يجب أن نشير أن هذا العلم أي علم الأوفاق لم يعرف في صدر الإسلام ولذلك لا تجد كلاما عن حكمه من قبل العلماء المتقدمين، وإنما بدأ الكلام عنه متأخرًا وقليل من العلماء من يتكلم فيه حتى من المتأخرين لغرابته وعدم وضوحه على ما سيأتي معنا في الكلام عنه ولكن نذكر أقوال العلماء فيه:

القول الأول: أنه محرم وغير مشروع ومنهي عنه قال به : العز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية، والقرافي( ١) وابن الشاط( ٢) وابن خلدون، والإمام الشاطبي،والإمام الصنعاني، وصديق حسن القنوجي( ٣) والمعلمي( ٤). واستدلوا بذلك على أنها من الأمور المحدثة، وألحقوه بالسحر، وأنه مبني على علم الحرف واستدلوا بأحاديث النهي عن البدع .

القول الثاني : قالوا بتحريمه في الأغراض المحرمة المضرة وجعلوه من السحر ، ولكن خصصوا جوازه في الأغراض المباحة ، وهذا قال به علماء الصوفية ، ومنهم : الإمام الغزالي والهيتمي ودليلهم أن له تأثيرًا ؛ استنادًا إلى التجربة.

يقول ابن حجر الهيتمي ((علم الأوفاق يرجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص ، وهذا كأن يكون بشكل من تسع بيوت مبلغ العدد من كل جهة خمسة عشر ، وهو ينفع للحوائج، وإخراج المسجون، ووضع الجنين، وكل ما هو من هذا المعنى، وضابطه : بطد زهج واح ( ٣) ، وكان الغزالي - رحمه الله - يعتني به كثيرًا حتى نسب إليه ولا محذور فيه إن استعمل لمباح بخلاف ما إذا استعين به على حرام ، وعليه يحمل جعل القرافي الأوفاق من السحر))

التقويم والترجيح :

أولاً : تقويم القول الثاني : الذي أجاز استخدام علم الأوفاق في الاستعمال المباح ؛فيجاب على كلام الهيتمي ويرد عليه من أوجه :

الوجه الأول : أن قوله (ولا محذور فيه إن استعمل لمباح بخلاف ما إذا استعين به على حرام ، وعليه يحمل جعل القرافي الأوفاق من السحر ) لا يقبل منه لأنه لا دليل معه في أن القرافي جعل علم الأوفاق مباح في الاستعمال المباح ؟! بل إنه جعله من السحر ولم يفصل ويقسمه كما ذكر ، بل إنه في نهاية كلامه عن علم الأوفاق قال : (وأما ما نسب إليها من الأثر قليلة الوقوع أو عديمته) وهذا مخالف تماماً لكلام الهيتمي الذي قال فيه أنه ينفع ، وخاصة إذا علمنا أن القرافي قد ذكر كلام الغزالي ووفقْه الذي ذكره الهيتمي ولم يصرح بأنه نافع بل على العكس ، ثم إن القرافي ذكر وفق الغزالي على سبيل التعريف بهذا العلم وليس على سبيل الإقرار بصحته ونفعه .

الوجه الثاني : هذا الكلام منه - غفر الله له - لا يقبل منه ؛ (لأن هذا العلم حادث بعد صدر الأمة كما تقدم ، بل هو باب من أبواب السحر والشعبذة . وإذا كان كذلك فهو محرم مطلقا ولا يفرق بين استخدامه في محرم ومباح)

الوجه الثالث : (أن كتابة الحروف والأرقام على الأوفاق لم يجعلها الله سببا للشفاء وحصول المنافع لا شرعا ولا قدرًا ، وليست هي من قبيل الدواء وحتى لو فرضنا أنه حصل الانتفاع منها أحيانا فلا يقضي بجوازها إذ قد يقع ذلك اتفاقا ، أو استدراجا أو فتنة من الشيطان)

الوجه الرابع : ثم يقال أيضا أن الرقى أو العزائم أو الأوفاق إذا لم تكن بكلام الله أو بأسمائه وصفاته وباللغة العربية - إن كان عربيا - فلا تقبل .

قال شيخ الاسلام : ( ... نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها ؛لأنها مظنة وإن لم يعرف الراقي أنها شرك)

قال الشيخ سليمان بن عبد الله: ( قال شيخ الإسلام ابن تيمية كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقى به فضلا عن أن يدعو به ولو عرف معناه لأنه يكره الدعاء بغير العربية وإنما يرخص لمن لا يعرف العربية فأما جعل الألفاظ العجمية شعارا فليس من الإسلام. قلت: وسئل ابن عبد السلا م عن الحروف المقطعة فمنع منها مالا يعرف لئلا يكون فيه كفر وقال:السيوطي قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط أن يكون بكلام الله ، أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي وبما يعرف معناه وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى)

الوجه الخامس : أن هذا القول فيه (إثمٌ من جهات أربع :

١- هجر المشروع .
٢- الاستدراك على الشرع.
٣- استحباب ما لم يشرع.
.( ٤- إيهام العامة بمشروعيته

وبعد هذا العرض يتضح ما يلي:
١- أن الصواب من الأقوال والراجح منها هو: القول الأول لموافقتها للأدله ، ولعدم استناد القول الثاني على دليل من الشرع سوى أنهم قالوا أنها طريقه مجربه وهذا لا يسلم لهم على فرض صحته .

٢- أن الرقية وإن كانت تختلف عن الأوفاق التي تعتمد على الأعداد والحروف موضوعةً في جدولٍ ، إلا أنهما يلتقيان في كونهما بألفاظ غير معقولة المعنى سواء كانت بأرقام أو حروف أو ألفاظ المهم أن المتحقق فيهما الغموض ، وإذا كان كذلك فهو .( ذريعةٌ إلى الشرك ؛ والحكم فيه : التحريم على السواء .

مسألة تفريق الكلمة إلى حروف وإضافة مدلول لها وفي استخدام الحروف في غير مدلولها قال الإمام الطبري مستنكرا حديثا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن عيسى بن مريم ، أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال له المعلم : اكتب بسم فقال له عيسى : وما بسم ؟ فقال له المعلم : ما أدري فقال عيسى : الباء : بهاء الله ، والسين : سناؤه ، والميم : مملكته...

حيث قال - رحمه الله -:

(فأخشى أن يكون غلطا من المحدث ، وأن يكون أراد ، ب س م ، على سبيل ما يعلم المبتدئ من الصبيان في الكتاب ، حروف أبى جاد ، فغلط بذلك ، فوصله فقال بسم ، لأنه لا معنى لهذا التأويل ، إذا تلي بسم الله الرحمن الرحيم ، على ما لا يتلوه القارئ ، في كتاب الله ، لاستحالة معناه عن المفهوم به ، عند جميع العرب وأهل .( لسانها، إذا حمل تأويله على ذلك ) فتلاحظ أن الإمام الطبري استنكر هذا التأويل الذي كان غريباً من أسلوب العرب وطريقتهم مما يدفع بهذا الاستخدام خارجاً عن أصل الدين وأنه محدث ومبتدع. بل إن جمعاً من العلماء قد استنكروا هذا الحديث أيما استنكار قال ابن الجوزي : ( هذا حديث موضوع محال ....

ما يصنع هذا الحديث إلا ملحد يريد شين الإسلام، أو جاهل في غاية الجهل ، وقلة المبالاة بالدين ، ولا يجوز أن يفرق حروف الكلمة المجتمعة، فيقال :الألف من كذا ، واللام من كذا ، وإنما هذا يكون في الحروف المقطعة .... فقد جمع واضع هذا الحديث جهلاً وافرًا ، وإقداماً عظيماً ، وأتى بشيء لا تخفى برودته والكذب فيه) وهذا النظرة منه رحمه الله ومن غيره من العلماء صائبة بلا شك وتتضح أكثر لمن نظر وبحث في كتب الفرق التي انحرفت واستغلت مثل هذه الاستخدامات في تلميع مذهبها الرامي لهدم الدين من أصله كالفرق الباطنية، ومن تأثر من غلاة الصوفية كما سيتضح معنا خلال هذا البحث

ولكن نذكر هنا تطبيقاً لهذا الاستخدام الخاطيء حيث يقول القشيري في تفسيره لقوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم } ( وقوم عند سماع بسم الله تذكروا بالباء براءة الله سبحانه وتعالى من كل سوء ، وبالسين سلامته سبحانه عن كل عيب ، وبالميم مجده سبحانه بعز وصفه ، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه ، وعند السين سناءه ، وعند الميم ملكه...)( ١) وإن كان هنا القشيري يورد هذا الكلام في باب الإشارات ولكنه وقع في الاستخدام المرفوض في اللغة بتفريقه الكلمة المتصلة مستنداً على هذا الحديث الذي لا يصح .

ولو نظرنا إلى كلام الفرق الباطنية لما خلا من هذا الغلط وخاصة أنهم لا يقيمون لكلام اللغة وظاهر النص أي اعتبار بل تحرروا من ذلك وانتقلوا إلى مفهوم جديد لا يعرف في الشرع حيث قاموا بتفريق الكلمة وقاموا بعد حروف الكلمة واستخدموها في تأويلهم الباطني وفرقوا حروف الكلمة وقاموا بعدها.
مصطفى2
الخلاصة

أن ثبوت بطلان علم الحرف واضح وثابت من مدلول النصوص فضلا عن علاقته بالتنجيم وادعاء علم الغيب واتباع المتشابه كما اتضح من كلام العلماء و سيأتي معنا ما يثبت بطلانه في مباحث هذا البحث .

اسرار الحروف وحساب الجمل عند الفرق الاسلامية

المطلب الأول : نشأة هذا العلم عند الصوفية وأبرز من اعتنى به .
المطلب الثاني :أهمية علم الحروف عند الصوفية.
المطلب الثالث : استخدامات الحروف والأعداد عند الصوفية.
المطلب الرابع : الرد على معتقدهم في الحروف.
المطلب الخامس: مسألة خلق القرآن وارتباطه بمعتقدهم بعلم الحرف .
المطلب السادس: فرقة الحروفية .
المطلب السابع : التطبيقات الصوفية المعاصرة لعلم الحرف

تمهيد:
كثيرًا ما يخلط الناس في مفهوم الصوفية مع كثرة الجدل في ذلك ، فمنهم من جعل التصوف : تلك العبادات المتجلية في الزهد والتقلل من حظ الدنيا، والجوع وكثرة العبادة، والتشدد والتقعر وهذا هو حال أسلافهم في القرون الأولى ، ومنهم من جعله دينا مستقلا يحمل خليطا من فلسفات وأفكار لأديان مختلفة تكون على أثرها نظريات خاصة لا علاقة لها بالورع والتقوى والتقلل من الدنيا .

ولا شك أن هذا التقسيم هو صحيح إذا قلنا إن التصوف في البداية منذ القرن الثاني ؛ كان أصحابه يغلب عليهم كثرة العبادة: الجوع ، الزهد ، فكانت سمة الزهد المتشدد غالبة عليهم ، فأتوا بأشياء لم يأت بها الإسلام فكانوا بداية ومقدمة لاتجاه فكري تطور فنأى بجانبه عما كان عليه النبي صلى عليه وسلم وأصحابه إلى أن جاء من دخل باسمهم وأتى بالنظريات الفلسفية وعقائد الديانات المنحرفة فأدخله باسم التصوف ولما كان لفظ الصوفية مجملاً مر بتحولات تاريخية وجدت أنه من الضروري الإشارة لهذا تمهيدا في تحديد المقصد من الصوفية في هذا المبحث ، وأنه: ذلك التصوف الفلسفي الذي أصبح نظرية وديناً مضاهياً لأديان وفلسفات قديمة ؛ انحرف عن الدين في أمور كثيرة منها استخدام الحروف .

وسوف نقوم بعرض نشأة هذا العلم وبدايته، ثم نقوم بذكر استخداماتهم لها، ثم نذكر كيف ربطوه بالكواكب، ثم بعد ذلك ندفع تلك الشبه بالدليل العقلي ونذكر معه الدليل الشرعي الذي يمنع ذلك ثم في المطلب الثاني : نعرض لطائفة كانت نتاجاً لهذا الاعتقاد في الحروف وهي طائفة الحروفيذ .

نشأة هذا العلم عند الصوفية وابرز من اعتنى به

تقدم معنا الحديث مستوفى عن نشأة استعمال الحروف وخاصة في معرفة أحداث المستقبل، وما يتعلق بالمهدي، وعن احتذائهم بمن سبقهم من يهود القبالة ... ولا شك أنه يتضح جليا بعد البحث في معتقد الصوفية في علم الحروف ، ومقارنته بما عند الرافضة ؛ أن الصوفية في الجملة تلقت فكرة الحروف هذه من الرافضة فلم يدخل القرن الرابع إلا وفكرة الحروف قد أخذت موقعها في عقيدة الصوفية ، ورسخت . فجاء جملة من كبارهم كان من أبرزهم :

- الحلاج( ١) ليقرر أن (علم القرآن في الأحرف التي في أوائل السور وعلم الأحرف في لام ألف ، وعلم لام ألف في الألف ، وعلم الألف في النقطة وعلم النقطة في المعرفة الأصلية في الأزل ...)

- ثم جاء الغزالي وألف رسائل كثيرة( ٣) في علم الحروف أكثرها فُقدت ، إلا أن الغزالي لم يتوسع كثيرا في الكلام عن الأسرار( ٤) مثل غيره.
- ثم بعد ذلك جاء ابن عربي وأوغل في هذا العلم وحشا كتابه (الفتوحات المكية ) وغيرها و أصبح كلامه أصلا في علم الحرف عند الصوفية الغلاة ومزجه بالفلسفة .

وقد ذكر صاحب كتاب (كشف الظنون) كتاباً لم أقف عليه نسبه لابن عربي في أسرار الحروف واسمه: (المبادئ والغايات في أسرار الحروف المكنونات والأسماء والدعوات)( ١) وكتبه التي وقفت عليها كما سيأتي مغنية في اثبات غلوه في هذا العلم ثم جاء البوني( ١) ليخرج بالحروف من مجالها النظري إلى الناحية العملية والتطبيقية، ويتوسع في استخدام الحروف كحرفة ووسيلة لتسخير الطبيعة مطابقا في ذلك السحرة وإن لم يقر بذلك هو وأتباعه( ٢). وسيأتي معنا الكلام عن حقيقة استخدامه للحروف . وانفرد برأي جديد في أن الحروف عددها ٣٢ حرفا منها ٢٨ حرفا عربيا مبينا وأربعة مدغمة واهية اللفظ وهي : (ب ،ج ، ر ، ك) وأنها هي الأسماء التي تعلمها آدم.

- ثم جاء جلال الدين الرومي( ٤) فألف كتابا في الحروف سماه إعجاز البيان كرر ما تطرق له ابن عربي. ثم تتابع بعد ذلك من كتب في الحروف حتى مهدوا السبيل لنشأة فرقة سميت بالحروفية أسسها رجل اسمه فضل الله الحروفي سيأتى الكلام عنها.

ثم جاء عبد الرحمن بن محمد البسطامي الحنفي( ٧) وقد اشتهر بعلم الحروف وقد نسب له العلماءُ كتباً في هذا العلم، ونختار منها بعضا ما ذكره صاحب كشف الظنون: (لوامع أنوار القلوب وجوامع أسرار الغيوب) رسالة استخرجها من مئة كتاب وقال في كتابه: (الدرة اللامعة) هو بين أيدينا كالكتاب المشهود واللواء المعقود الذي سره عرش الأدعية ودره فرش الأدوية فان من تصرف بأسمائه كان من أوليائه) ونسب له أيضا ( (العقد المنظوم والدر المكتوم والنقد المختوم) في علم الحرف ( و (أزهار الآفاق في أسرار الحروف والاوفاق )

اهمية علم الحروف عند الصوفية

إن من المناسب أن نبين في هذا المبحث مراد الصوفية من علم الحرف لنعرف منشأ الغلو فيه وشبهتهم فيه. وتبعا لما يرتبط مع طرحهم وتعبيرهم من تكلف المُرائي وغموض المتفلسف فسنحاول أن نجمع ما قاله كبار الصوفية في هذ العلم مع تحليله بتأن، وضم بعضه لبعض ليتضح ويزول ما فيه من غموض، ونعرف مرادهم من هذا العلم( ١)، - وخاصة إذا علمنا أنهم أكثر من أوغل في علم الحروف - ثم بعد ذلك نقرر شبهتهم ونردها . فنبدأ بتوفيق الله لنقرب مقصدهم ومرادهم ؛ لنعرف أصلهم الفاسد.

علم أسرار الحروف أشرف العلوم عند الصوفية؟!

لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل أسرار الحروف من أشرف العلوم، ولا من أصحابه والتابعين لهم من السلف الصالح . بل المنقول والمعروف أن أجل العلوم هو المتعلق بمعرفة الله؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ومعرفة الله وإثبات أسمائه وصفاته وهو توحيد الله . ولكن الصوفية وغيرهم جعلوا شرف العلم في أسرار ، فيقول الحلاج( ٢) ( في القرآن علم كل شيء ، وعلم القرآن في الأحرف التي في أوائل السور، وعلم الحرف في لام ألف ، وعلم لام ألف في الألف ، وعلم الألف في النقطة ، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية في الأزل ، وعلم الأزل في المشيئة ، وعلم المشيئة في غيب الهو، وغيب الهو { ليس كمثله شيء }

يقول ابن عربي : ( اعلم أن الحروف سر من أسرار الله، ومن أشرف العلوم المخزونة عند الله تعالى، وهو من العلم المكنون المخصوص به أهل القلوب الطاهرة)( ١) وتقدم كلام الحلاج وسيأتي معنا ما يثبت تعظيمهم لعلم الحرف . فالحروف المقطعة لها شأن عظيم عندهم، ويتوسعون في تأويلها؛ لأن المجال فيها رحب ومتسع لتأويلهم الباطل ، وإذا كانوا في الآيات المحكمة التي لا خلاف فيها بين العلماء يخوضون فيها بتأويلات بعيده فكيف بهذه الحروف المقطعة ؟!
لكن هم لا يقصدون بمرادهم لكلمة الحرف بالحروف المقطعة التي في أوائل السور فحسب بل يستخدمونها لمعاني أخرى وكلمة حرف كلمة مجملة يشملها معاني الحرف التي سبق التعريف بها ، فمثلا ابن عربي : قد ذكر كلمة الحرف كثيرا في كتبه فما هو مقصده من هذه الكلمة ؟

من المناسب في الوصول إلى هذه الحقيقة المنشودة أن نذهب ونبحث في كتب أتباعه ومن شرح كلامه ومنهم عبد الكريم الجيلي( ٢) الذي حصر كلمة : الحروف التي استخدمها ابن عربي في كتابه الفتوحات المكية و جعلها في أطوار :

١- حروف حقيقية : أعيان الأسماء والصفات .
٢- حروف عالية : معلومات العلم الإلهي أو الأعيان الثابتة.
٣- حروف روحية : حروف نورية أظهر الله بها الوجود .
٤- حروف صورية : جوارح العالم الكلي وجوارح الإنسان الجزئي .
٥- حروف معنوية: حركات الأشياء وتشكلاتها وسكناتها .
٦- حروف حسية : المرقوم والمكتوب .
٧- حروف لفظية : الملفوظ بها المتشكلة في الهواء .
٨- حروف خيالية : صور تلك الحروف في نفس الإنسان .

فتلاحظ أن له عدة إطلاقات للفظ الحرف وأن ابن عربي الذي يعتبر أصلا لأتباعه فيما يقرره يمزج بين علم الحروف وعلوم أخرى. ويتلاعب بالألفاظ كثيرا ويخلط الحق بالباطل . وممن يعتبر أصلاً لابن عربي والصوفية في علم الحرف ؛ الحكيم الترمذي الذي ينقل عنه كلاما في علم الحرف من ذلك قوله : ( فإن العلوم كلها في حروف المعجم لأن مبتدأ العلم أسماء الله ومنها خرج الخلق والتدبير في أحكام الله وحلاله وحرامه والأسماء .( من الحروف ظهرت وإلى الحروف رجعت)( ٢). ويسميه الحكيم علم البدء( ٣ - ويقول ابن عربي مقلدًا له في ذلك : (ولما أردنا أن نفتتح الوجود وابتداء العالم الذي هو عندنا المصحف الكبير الذي تلاه الحق علينا تلاوة حال كما أن القرآن تلاوة قول عندنا ، فالعالم حروف مخطوطة ...)
مصطفى2
النتائج

١- أن علم الحرف يطلق عليها عدة إطلاقات في كلام العلماء .
٢- أن علم أسرار الحروف في حقيقته لا يعد علماً وإن اعتمد على قواعد حسابيه أو قواعد علم الفلك .
٣- هناك تقسيمان لحساب الجمل كبير وصغير، وهناك اختلاف في طريقة المشارقة عن طريقة المغاربة مما لا يجعل لهذا العلم مصداقية بالإضافة أنه نشأ بالتواضع .
٤- أول من استخدم الحروف العربية في غير محلها وربطها بمنازل القمر ؛ سهل بن هارون .

٥- أول من استخدم الحروف كدلالة عددية هو : الفيلسوف الكندي .
٦- في مسألة نسبة الكتب السرية لآل البيت كانت بدايتها من عبد الله بن سبأ ، ثم بعدها جاءت فكرة الجفر وأضيف أنه في علم الحروف .
٧- أن الأقوال في جذور هذه الفكرة التي ذكرها أصحاب المقالات متقاربة وإن اختلفت لثبوت عوامل التأثير بين الأديان والفلسفات القديمة وأن الجميع وقع في ذلك بسبب إعراضهم عن الوحي الإلهي .
٨- عدم صحة ثبوت نسبة هذا العلم للأنبياء .

٩- أن البداية في تكوين هذا العلم عند المسلمين كانت بعد القرن الثاني وبالتحديد بعد الكندي وتلميذه احمد البلخي عند ظهور الحلاج .
١٠ - ظهر لي أن أول فرقة استخدمت الحروف وربطتها بالمعتقدات هي فرقة المغيرية.
١١ - أن الغنوصية مصطلح عام يدخل فيه علم أسرار الحروف من حيث أنه تأويل رمزي ، وهذا المصطلح العام للغنوصية كانت بدايته عند ظهور مسيلمة الكذاب حسب رأي أحد الباحثين ولعله يكون قريباً من الصواب.
١٢ - ظهر لي أن الفرق تجعل للحرف والعدد علاقة كالروح والجسد .

١٣ - لم يثبت في تحديد بقاء الدنيا أحاديث صحيحة فضلاً عن أنها تنافي صريح القرآن في قطع السعي في معرفة الغيب وموعد نهاية الدنيا .
١٤ - عدم ثبوت جواز استخدام طريقة حساب الجمل في الحروف المقطعة ومما يبطلها أنك تجد غالب من استخدمها يحذف بعض الحروف وهذا يرد عليهم لأنهم يزعمون أن لكل حرف سر يخصه .
١٥ - ليس صحيحاً ما زعمه بسام جرار أن عد الآيات عند المتقدمين من علماء المسلمين هو في مسار الإعجاز العددي لثبوت الفرق بينهما كما يبناه .
١٦ - أن الشيعة الاثناعشرية مختلفون في الجفر، ولم يستطيعوا إثبات وجوده سوى أنهم يذكرونه في كتبهم من باب الإخبار عن علوم الأئمة وعلومهم.

١٧ - أن علم الحرف عند الصوفية له علاقة باعتقادهم في وحدة الوجود .
١٨ - أن الصوفية والشيعة والفرق المنتسبة ؛ لها استخدامات مختلفة لعلم الحرف في ادعاء الغيب وكشف الحقائق وغيرها من الاستخدامات .
١٩ - تعتبر الصوفية من أكثر الفرق توسعاً في علم الحرف .
٢٠ - أن علم الحروف يجمع كل الأهواء ، ومن الممكن أن تتأتي أقوال جديدة .

٢١ - أن أغلب الدراسات المعاصرة في الإعجاز العددي يجمعها البحث عن الجديد فيما يدعونه .
٢٢ - أن أكثر الدراسات التي قامت بعد آيات القرآن لا تخلو من أن تقع في أخطاء واعتراضات .
٢٣ - التقاء أصحاب الفرق المستخدمة لهذا العلم مع الأديان والفلسفات السابقة .
٢٤ - سلامة منهج السلف من هذه الجهالات التي لا طائل منها.

٢٥ - أن الشيعة والصوفية يؤمنون بما يسمى بعلم الحروف والجفر .
٢٦ - أن أصحاب الدراسات المعاصرة للإعجاز العددي هم نتاج لفتنة رشاد خليفة - مدعي النبوة الطامح للشهرة - المتأثر باليهود وبالفلسفات القديمة.
٢٧ - أن صاحب كتاب الهيروغليفية في تقريره كان بعيدًا عن المصداقية في بحثه وأنه كان يسعى لإثبات رأيٍ جديد في تأويل الحروف .
٢٨ - أن أغلب الفرق الباطنية تقوم بتقديس الأعداد متأثرين بالفلسفة الفيثاغورية .

٢٩ - أن الفرق الباطنية تستخدم الأعداد والحروف التي في القرآن تأييدًا لمعتقدهم في الباطن والظاهر .
٣٠ - أن فرقة الحروفية استغلت كلام الصوفية وغيرهم في علم الحرف وزادته ظلمةً بانحرافها الشديد فيه .
٣١ - صلة علم الحرف الوثيقة بعلم التنجيم والسحر .
٣٢ - مما يثبت علاقة الصوفية بالسحر اشتراكهما بعلم الحرف .

٣٣ - علاقة الفرق المستخدمة لعلم الحروف بالغنوصية واليهود القبالة .
٣٤ - أن هناك علاقة بين الاعتقاد في علم الحرف والقول بخلق القرآن .
٣٥ - فرقة الحروفية من الفرق الضالة الغالية التي ترجع في اعتقادها لدين المجوس الفارسي حيث يزعم أن القرآن واللغة العربية مبهمة وصارت اللغة الفارسية مفسرة وشارحة بالاضافة لانحرافاتهم الكبيرة التي بينا جزءًا منها.

٣٦ - ارتباط علم الحروف بفكرة أن للقرآن باطن وظاهر وكذلك بنظرية المثل والممثول عن الإسماعيلية .
٣٧ - تزعم الصوفية أنه يمكن للإنسان العادي إذا تجرد من دنس المادة بزعمهم أن يصل إلى ما خفي من الأسرار ويكون محلا لاستمداد العلم الإلهي الممنوح ( اللدني )) .
٣٨ - تزعم الصوفية أن للحروف أسرارًا لا تدرك إلا بمجاهدة وترويض النفس.
٣٩ - الشيعة يربطون علم الحرف بنظرية الفيض الإلهي .

٤٠ - عدم صحة الروايات التي يرويها الشيعة في الجفر .
٤١ - الشيعة تستخدم حساب الجمل في تقرير إسلام أبي طالب.
٤٢ - يزعم الشيعة أن الأئمة يعلمون حروف اسم الله الأعظم.
٤٣ - تزعم الشيعة بان الإمام المهدي الثاني عشر هو أفضل من عيسى – عليه السلام – لأنه كلمته التامة .
٤٤ - يلتقي الشيعة والصوفية في كثير من معتقداتهم منها علم الحروف و علم الجفر .

٤٥ - أن الدراسات المعاصرة للدكتور عايد ، والأستاذ بسام هي نوع من اتباع المتشابه .
٤٦ - بطلان الادعاء في أن الرقم ( ١٩ ) معجز وأن له خاصية.
٤٧ - المتنبئ اليهودي ميشيل نستراداموس هو مؤجج ثورة هذه النبوءات التي انطلق منها الأستاذ بسام والدكتور عايد ومن تبعهما .
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
remove_circleمواضيع مماثلة
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى