البحث منقول من كتاب ( اسرار الحروف وحساب الجمل )
مقتطفات من البحث
اهم نتائج البحث
١- إن البداية في انتقال هذه الاستخدامات للمسلمين كانت بعد القرن الثاني.
٢- تأثر أكثر الفرق الضالة بمسألة أسرار الحروف والأعداد، فكلما زاد بعد الفرقة
عن الدين وظاهره زاد غلوها في هذه المسألة.
٣- إن الفرق المستخدمة للحروف والأعداد تستخدمها في إثبات صحة معتقدها
وفي معرفة الغيب.
٤- إن الدراسات في الإعجاز العددي التي قمنا بدراساتها لا تخلو من أخطاء في حساب الأعداد وفي مسألة إدعاء علم الغيب. وهي متأثرة بدراسات رشاد خليفة.
ــــــــــــــــــــــــــ
علم أسرار الحروف علم يدخل فيه علوم أخرى ، ولكن قد يطلق عليه اسماء أخرى وهي مرادفة لمعنى أسرار الحروف منها : (علم خواص الحروف ، علم الخواص الروحانية من الأوفاق، علم التصريف بالحروف والأسماء، علم الحروف النوارنية ، ( والظلمانية، علم التصريف بالاسم الأعظم، علم الكسر والبسط )
ويعرف البعض علم أسرار الحروف بأنه: (علم باحث عن خواص الحروف إفرادا وتركيبا، وموضوعه الحروف الهجائية ومادته الأوفاق والتراكيب وصورته تقسيمها كماً وكيفاً، وتأليف الأقسام والعزائم، وما ينتج منها، وفاعله المتصرف، وغايته التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ومرتبته بعد الروحانيات والفلك .( والنجامة)
وقال ابن خلدون( ١) في المقدمة: (علم أسرار الحروف وهو المسمى لهذا العهد بالسيميا( ٢) نقل وضعه من الطلسمان إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص وحدث هذا العلم بعد الصدر الأول عند ظهور الغلاة منهم وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم ، والتصرفات في عالم العناصر، وزعموا أن الكمال الاسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب، وان طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان ، وهو من تفاريع علوم السيميا لا يوقف على موضوعه، ولا يحاط بالعدد مسائله تعددت فيه تأليف البوني( ١)(مؤلف شمس المعارف ) وابن عربي( ٢) وغيرهما وحاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان)( ٣).
ومع تعريف ابن خلدون هذا نضيف مع الاسماء والاطلاقات الاخرى لهذا العلم التي تقدم معنا اسم علم السيميا ، ولكن هذا المفهوم الذي ذكره ابن خلدون أكثر من أوغل فيه الصوفية( ٤) وما ذهب إليه ابن خلدون في كلامه هذا لا شك أنه صحيح، وهذا هو في الغالب، وهو ينطبق على استخدام الصوفية
ولكن لعلنا في هذا البحث سنتناول هذا العلم بشكل موسع يشمل أغلب الطوائف المُستخدمة للحروف والأرقام، لكي نصل في نهاية المطاف إلى تصور واضح لمعرفة أوجه التشابه بين جميع الاستخدامات المتعلقة بالحروف والأعداد وبناءً على هذه الدراسة التي قمنا بها يمكن أن نقسم المفهوم إلى عدة مفاهيم:
المفهوم الأول: أن هذه الحروف لها تأثير ويمكن أن تكشف عن معنى مستتر، ولهم فيها ضوابط وقواعد يسيرون عليها وهذه القواعد يخلطونها بقواعد علمية حسابية وربما يربطونها بعلم التنجيم والفلك.
المفهوم الثاني: (أن هذه الحروف لها تأثير ولكن بنحو اقتضائي سواء في الكشف أم في ترتب الأثر)( ٥). والمقصود من هذا المفهوم بزعمهم أن هذا التأثير لهذا الحرف لا يحصل بطريقة توفيقية بضوابط علمية سواء بين أعداد أو مع علوم أخرى كالتنجيم والفلك،كما في المفهوم السابق ، وانما تأتي من ذات الحرف بزعمهم .
المفهوم الثالث: وهو في استخدام الحروف في تأييد معتقدهم وليس في معرفة الغيب.
وهذه الاستخدامات في المفاهيم الثلاثة خارجةٌ عن الاستخدام الشرعي وجانحة فيه .
العلاقة بين الحروف والأعداد :
قد يشكل عند البعض حقيقة العلاقة بين الحروف والأعداد وذلك أن من ينظر في كتب علم الحرف يجد فيها جداول أرقاماً وحروفاً فنقول أن العلاقة هي انهم جعلوا (العدد روح والحروف جسد فهو سار في جميع الأسماء)( ١) ولذلك يعرفه البعض مبيناً هذه العلاقة: (بأنه استنطاق الحروف أو الكلمات ضمن أعدادها وفق هيئات مخصوصة .( وقواعد مضبوطة) وهناك علاقة أخرى بين الحروف والأعداد هي في ما يسمى بحساب الجمل نذكرها فيما يلي :
مفهوم حساب الجمل الاصطلاحي
يتضح مما سبق من كلامنا عن تعريف الحرف في اللغة( ٣) العلاقة بين الحروف والأعداد ؛ لكون حساب الجمل ذا صلة بالأعداد. ولا يكفي هذا في توضيح المفهوم لحساب الجمل لذايعرف بأنه : (طريقة في معرفة المستقبل من خلال الحروف، يجعل قدر من العدد في مقابل كل حرف، وإجراء الأسماء والأزمنة والأمكنة على ذلك ، ومن الجمع والطرح ونحو ذلك) ٤ فتلاحظ أن تعريف حساب الجمل له علاقة بالتعريفين أو المفهومين اللذين ذكرناهما فبينهما خصوص وعموم . ومما يلتقي ان فيه ؛ استخدام الحروف والأعداد، ومعرفة المستقبل من خلالها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقسام حساب الجمل :
ويقسمون حساب الجُمل إلى قسمين:
١ - حساب الجمل الصغير. ٢ - حساب الجمل الكبير.
فحساب الجمل مطلقا هو: حساب الأحرف الهجائية المجموعة في ترتيب الأبجدي ، والمراد بأبجد أول الكلمات التي رتبت فيها الأحرف الثمانية والعشرون وهي: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ.ثم وضعوا في مقابل كل حرف عددا لها هكذا : الحرف الرقم الحرف الرقم تم ادراج صورة من جدول الجمل
وهناك تراكيب أخرى :
١- التركيب الأبتثي أي بترتيب: ا، ب، ت، ث.
٢- والتركيب الأهطعي، أو الأيقغي و يعتمد على تركيب جمل أربع على ترتيب العناصر الأربعة: النارية، والهوائية، والترابية، والمائية . والسبب الأساس في الاعتماد عليه عندهم هو ربطهم لمخارج الحروف وهيئاتها بمنازل القمر الثمانية والعشرين مع ألفاظ الأسماء والصفات لإحداث تأثير معين وحساب الجمل الصغير: يعني حساب الأعداد بما يقابل مقطعات الحروف ( مفردة: فحرف الميم من كلمة ( محمد ) يحسب ( ٤٠ ) وحرف الحاء يحسب ( ٨ ) وهكذا.
وأما القسم الثاني وهو: حساب الجمل الكبير فهو بحساب كل ما ينطق من اللفظ المكون للحرف فكلمة "محمد" مكونة من الميم والحاء والميم والدال، وحين الحساب يحسبون كلمة "ميم" كاملة وهي ثلاثة حروف لا حرفا واحدا. وقد يطلقون عبارات في هذا الاستخدام للحروف مثل: (الزبر والبينات )،
فالزبر: الحروف أو الكلمات يقصدون بها الحرف الأول من اسم كل حرف أو كلمة، وأما بينتها: فهي عبارة عما بعد الحرف الأول من اسم كل حرف، فمثلا (سين ) .( الحرف الأول (الزبر) هو "س" وبينته هو "ين" وهذا مطرد في كل اسم أو لفظ) (والمغاربة يخالفون في ترتيب الكلمات التي بعد: كلمن، فيجعلونه: صعفض، .( قرست، ثخذ، ظفش)
ولعلم أسرار الحروف علاقة بما يسمى بعلم الأوفاق الذي يعرفونه بأنه :علم يتوصل به إلى توفيق الأعداد ، والحروف ، واستوائها في الأقطار والأضلاع ، وعدم التكرار غالباً( ٣). (وقيل هي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص مربع ويكون ذلك المربع مقسوما بيوتا فيوضع في كل بيت عدد... وأن لها آثارًا مخصوصة وأن منها: خاص بالحروب ونصر من يكون في لوائه. ومنها: خاص بتيسير العسير وإخراج المسجون.
ومنها: خاص بالجنين من الحامل وتيسير الوضع وكل ما هو من هذا المعنى )
وجميعها في أقسامها الثلاثة :
١- حرفية.
٢- وعددية .
٣- ولفظية .
تقوم على أسماء الله الحسنى، إما بكتابتها في الأوفاق ذاتها، أو بتلاوتها في هيأة دعاء على .( الأوفاق، أو يكون الوفق دالاً على اسمٍ من أسماء الله الحسنى
الخلاصة مما سبق أن علم الحرف له ثلاثة مفاهيم نختصرها فيما يلي:
١- معرفة الغيب من خلالها.
٢- التصرف بها والتأثير من خلالها.
٣- تدعيم معتقد أو فكرة من خلالها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علاقة علم اسرار الحروف بالتنجيم
يعتبر علم التنجيم( ١) من أوائل العلوم الدخيلة على الإسلام التي اعتنى بها المسلمون بسبب حركة الترجمة التي بدأت منذ عام ١٢٥ هـ ( ٢)؛ ولذلك كان علم التنجيم سابقاً لعلم أسرار الحروف كما سيأتي معنا في مبحث انتقال علم أسرار الحروف إلى المسلمين حيث كانت البداية لنشوء أسرار الحروف عندما ربط سهل بن هارون بن راهبون الكاتب( ٣) الحروف العربية بمنازل القمر الثمانية والعشرين ، ثم جاء بعده من ربط الحروف واستخدمها في معرفة علم الغيب وصار هذا الأمر مستقرًا عند من خاض في علم الحروف ونختار هنا نصاً يثبت ذلك من كلام البوني – أحد مشاهير علم الحرف – حيث قال: (وأما الحيوان الإنسان فذكرنا أنه يتصرف في ( ٢٨ ) حرفاً علويها وسفليها)( ٤). ولن نستعجل في بيان التفاصيل لكي يناسب البيان عرض معتقدات الفرق في حينه، وإنما نكتفي بالإضافة لما سبق بذكر بعضٍ من الاطلاقات الأخرى لعلم الحرف التي من شأنها توضيح علاقته بالتنجيم وهي:
١- علم الجفر:
والجفر كتاب ينسب إلى جعفر الصادق( ١) كذباً وزوراً يستخدم فيه أسرار الحروف ومعرفة أحداث المستقبل( ٢). وسيأتي الكلام بالتفصيل عن علم الجفر في مبحث الشيعة.
٢- وعلم الرمل:
(وهذا العلم يلحق بعلم التنجيم وهو رجم بالغيب وطريقتهم فيه أنهم جعلوا من النقط والخطوط ستة عشر شكلاً، ميزوا كلا منها باسم وشكل يختلف عن غيرها، وقسموها إلى سعود ونحوس كشأنهم في الكواكب، بأن جعلوا لها ستة ( عشر بيتا طبيعية بزعمهم وكأنها االبروج الاثناعشر التي للفلك، وحكمه حرام ( كما أجمع عليه العلماء)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجذور التاريخية لاسرار الحروف
إن تحديد الجذور التاريخية لنشأة هذا العلم أمر من الصعوبة بمكان بشكلٍ دقيق وخاصةً إذا استقى هذه المعلومات من مصادر عدة فضلاً عن تنوعها لاختلاف معتقدات الذين سطروها ؛ ولذلك سنحاول - إن شاء الله – أن ننقل كلام العلماء الباحثين في هذه المسألة لنتعرف على الحقيقة المقصودة من هذا المبحث . فيرجع البعض هذه الفكرة لأسرار الحروف إلى اليهود ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية( ١) حيث يقول في معرض بيانه للمتشابه والمحكم: (يبين ذلك أن التأويل قد روى أن من اليهود الذين كانوا بالمدينة على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -
كحيى بن أخطب( ٢) وغيره من طلب من حروف الهجاء التي في أوائل السور تأويل بقاء هذه الأمة كما سلك ذلك طائفة من المتأخرين موافقة للصابئة ٣ المنجمين وزعموا أنه ست مئة وثلاثة وتسعون عاما لأن ذلك هو عدد ما للحروف فى حساب الجمل بعد .( إسقاط المكرر وهذا من نوع تأويل الحوادث التى أخبر بها القرآن في اليوم الآخر)( ١ فهنا شيخ الإسلام أرجع أصل هذه الفكرة إلى اليهود الذين اقتبسوا هذه الفكرة من الصابئة . ومن المرجح أن هذا التأثير الذي وقع لليهود من الصابئة كان في فترة النفي البابلي حيث يذكر الدكتور علي النشار( ٢) في كلامه عن اليهود: (ويدل على آثار من تفكير خارجي قد وصل إلى كتب العبرانيين المقدسة، ونفي اليهود إلى بابل، وهناك .( تأثروا بلا شك بالكلدان وبالفرس في طريق حياتهم ، بل في معتقداتهم الدينية)
أما الإمام الشاطبي( ٢) فجعل هذا الفكرة أصلها إلى أرسطو( ٣) حيث قال ...علم الحروف وهو الذي اعتنى به البوني( ٤) وغيره ممن حذا حذوه أو قاربه فإن ذلك العلم فلسفة ألطف من فلسفة معلمهم الأول وهو أرسطا طاليس فردوها إلى أوضاع الحروف .( وجعلوها هي الحاكمة في العالم ))( ٥ وقد يتساءل البعض فيقول: هل كان لأرسطو أقوال في مسائل الحروف ( والأعداد لاسيما أن استخدام الأعداد أشتهر عند الفيثاغورين
على هذا التساؤل يجيب أحد الباحثين( ١) أن أرسطو يقرر أن الأشياء في مكوناتها وجوهرها أعداد( ٢) .هذا بالإضافة إلى إذا علمنا أن أرسطو له كتاب في الحروف الذي يعرف بالإلهيات- مرتب على الحروف اليونانية وقد شرحه ونقله العرب وترجموا .( بعضه) وقد دفعني للبحث في كتب البوني ما ذكره عنه الإمام الشاطبي سابقا وأنه اعتنى بهذا العلم؛ فوجدت ذلك صحيحاً لكثرة ما ينقل عن أرسطو وغيره من .( الفلاسفة وعلى كلٍ فإن فلاسفة اليونان والروم( كان لهم استخدام للأعداد . وأن منهم طائفة تزعم بأن النفس إذا صفت تحقق لها المعرفة بأسرار الطبيعة ومعرفة ما في الغيب، وهذا هو ما قالت به الصوفية الغلاة وسيأتي معنا .( الكلام عنهم ( والبعض يرجع التأويل الرمزي إلى الأفلاطونية القديمة نسبةً إلى أفلاطون المثالي وهذا الرأي لا يمنع أن يكون المذهب الفيثاغوري هو الأصل في هذه المسألة( ٣)، لاسيما أن التأويل الرمزي أعم من التأويل باستخدام الأعداد.
الجذور التاريخية لمسألة الكتمان والسرية:
من المتعارف عليه أن الفرق الباطنية عموماً استخدمت منهج السرية والكتمان واستخدام الرموز والأرقام توريةً في نشر مذاهبها؛ خوفاً من انكشاف أمرهم؛ ولكن هذا الأمر أصبح ركيزًا في مذهبهم وممتدًا في أفكارهم الأخرى كما سيتضح معنا،
وأصبح عندهم أئمة مستورين ... وتجد في مؤلفاته م مثلاً :كتاب الكشف لجعفر منصور اليمن يستخدم رموزًا ، من يقرأها لا يعرفها ؟ بينما هي حسب ما فسرها أحد الإسماعيليين المعاصرين ؛ انها عبارات في سب الصحابة وخاصة في سب الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - ؛ وعبارات مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة ومن جهة أخرى نجد أنهم مع هذا الكتمان: (استخدموا واستغلوا تعاطف الناس مع نسب آل البيت وتسموا به)( ٢) لكي ينتشر مذهبهم ويتحقق ما يريدون.
في مسألة الكتمان والسرية هذه يذكر الإمام الجصاص ( ٣): أنها انتقلت إلي الإسماعيلية ؛ بسبب تأثرهم بالصابئة حيث يقول في كلامه عن الصابئة : (وأصل اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة وعبادتها واتخاذها آلهة وهم عبدة الأوثان في الأصل إلا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق مملكة الصابئين وكانوا نبطا لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرا لأنهم منعوهم من ذلك وكذلك الروم وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية فبطلت عبادة الأوثان من ذلك الوقت ودخلوا في عمار النصارى في الظاهر وبقي كثير منهم على تلك النحلة مستخفين بعبادة الأوثان فلما ظهر الإسلام دخلوا في جملة النصارى ولم يميز المسلمون بينهم وبين النصارى إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان كاتمين لأصل الاعتقاد وهم أكتم الناس لاعتقادهم ولهم أمور وحيل في صبيانهم إذا عقلوا في كتمان .( دينهم وعنهم أخذت الإسماعيلية كتمان المذهب) ولا شك أن الصابئة كما ذكر لهم وإلى اليوم المتواجدون منهم في العراق وخاصة فيما يتعلق بالأسرار والحروف معتقدات متشابهه مع معتقدات الفرق الباطنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- هل هناك تناقض بين كلام العلماء في جذور علم أسرار الحروف ؟
قد يرى الناظر فيما سبق أو في كلام أصحاب المقالات والعلماء الذين تكلموا عن أصول وجذور هذه الفكرة ؛ أن هناك تفاوتاً بين أقوالهم. في الحقيقة أنه عند النظر في هذا التفاوت نجد أن هذا لا يعد اختلافاً؛ لأن التأثير وقع بين المذاهب والأديان القديمة متفاوتاً( ٢)، فمثلاً لو أرجع أحدهم هذه الأصول إلى أرسطو وآخر إلى فيثاغورس وآخر إلى الصابئة وآخر إلى اليهود، وآخر إلى المجوس . قلنا إن هذه الأقوال قريبة تدور حول الصحة إن لم تكن صحيحة في ذاتها وهذا يرجع كما قلنا إلى التأثير الواقع بين الجميع فمثلا : ( النصارى تأثروا بالنظريات اليونانية( ٣) ودخلت عليهم الغنوصية( ٤) بسبب تأثير اليهود
ولذلك لا نستطيع أن نقول أن هذا محق وهذا مخطئ بل الكل مجتهد أصاب من الحق ما أصاب بما عنده من دليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفرق الحروفية
١-الفلسفة الفيثاغورية : وهذه الفلسفة أخذت بالقول في أن الأعداد هي التي تكون جوهر الأشياء أو بعبارة أخرى أن الأشياء تحاكي الأعداد فمثلاً جعلوا الأعداد العشرة
٢-الفلسفة الفارسية : فنجد أن الباحثين غالبا ما يرجعون أصول فرقة الحروف( ١) إلى أنها تمثل الفلسفة الفارسية أو الديانة الفارسية القديمة
٣- معتقد اليهود – القبالة ( الصوفية اليهودية الحلولية واشهر افكارها ( انهم شعب الله المختار )
وهذا المعتقد تجده في كتب القبالة المليئة بالطلاسم، وهي عبارة عن تعاويذ وجداول وأعداد سحرية تجلب الحظ وتجلب الشر، وخاضت أيضا في الكهانة والعرافة باسم الكتب المقدسة، ويتلخص اعتقادهم في البحث عن المعاني المختفية وراء الحروف والكلمات العبرية ، وفي تكوين كلمات وجناسات تصحيفية وأعداد تستخدم كلها لأغراض سحرية .كما يقومون بالسعي إلى كشف الروابط بين الكلمات من خلال جمع قيمها العددية، وهو ما يعرف عند العرب بحساب الجمل، وفي هذه العملية يحدث تباديل يمكن بواسطتها أن تحل الكلمات ذوات القيم العددية الواحدة ، كل منها محل الأخرى ، وقد تبدي هذه الكلمات عن طريق أعدادها معنى جديدًا يحمل شيئاً من الغرابة والغموض . ومن استخدامهم أيضا أنهم خلطوا وجمعوا الكلمات صورة الأعداد ، وجمعوا أيضاً الأعداد على هيئة كلمات ضمنوها أسماء الله، وأسماء الملائكة ، وعوالم السماء، زاعمين أنهم يتصرفون بجلب الأرواح الخيرة ، ويخمدون النار ويطردون الأمراض( ١). وهذا المعتقد مشابه أو قريب من غلاة صوفية ومن شابههم من الفرق الأخرى كما سيتضح في كلامنا عنهم في الباب الثاني من هذا البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقيقة نسبتة للانبياء واتباعهم متوقف ص 45 يتبع ان شاء الله
يعتبر المتصوفة الغلاة أكثر من تكلم في علم الحروف وتعمق فيه بصفة عامة ومن كلامهم أنهم قد أرجعوا ذلك إلى الأنبياء فمثلا ابن عربي( ١) ينسب هذا العلم إلى عيسى – عليه السلام – فيقول: (اعلم أيدك الله أن العلم العيسوي هو علم الحروف ولهذا أعطى النفخ وهو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة فإذا انقطع الهواء في طريق خروجه إلى .( فم الجسد سمي مواضع انقطاعه حروفاً فظهرت أعيان الحروف) وينقل القشيري( ٣) في رسالته أن هذا العلم قد تلقاه آدم – عليه السلام – فيقول: (إن الله تعالى لما خلق الأحرف جعلها سراً له ، فلما خلق آدم عليه السلام .( بث فيه ذلك السر )
ويقول ابن سبعين( ٥): ((واعلم أن علم الحرف علم شريف وسر لطيف من تأليف ادريس - عليه السلام -، حل رموزها وفك معانيها أرسطاليس اليوناني لأجل .( الاسكندر ذي القرنينن ))
وهذه النسبة قال بها أيضا الشيعة الاثناعشرية، ونقلوا كلام الصوفية ومن ذلك ما نقله الحائري( ٢) في إلزام الناصب بأن علم أسرار الحروف من علوم الأنبياء توارثوه إلى أن وصل ذلك العلم إلى الأئمة ونختار من ذلك بعضا من كلامه الذي قال فيه :
(في الينابيع عن الشيخ عبد الرحمن بن محمد علي بن أحمد البسطامي( ٣) - كان أعلم زمانه في علم الحروف [ قال : ] - أما آدم ( عليه السلام ) فهو نبي مرسل خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه.
فأنزل عليه عشر صحائف، وهو أول من تكلم في علم الحروف، وله كتاب سفر الخفايا، وهو أول كتاب كان في الدنيا في علم الحروف ، وذكر فيه أسرارًا غريبة وأمورًا عجيبة، وله كتاب الملكوت وهو ثاني كتاب كان في الدنيا في علم الحروف وصاحب الهيكل الأحمر قد أخذ من شيث - عليه السلام -)( ١). ثم يواصل كلامه إلى أن يصل في ادعائه إلى إضافة هذا العلم إلى الأئمة. وكل هذا الذي ذكروه لا يصح منه شيء، وإنما هو مجرد دعوى لا دليل عليها من الشرع معتبرًا سوى أنها متلقاة من أخبار إسرائيلية لا يوثق بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فهذا المنقول عن آدم من نزول حروف الهجاء عليه لم يثبت به نقل ولم يدل عليه عقل بل الأظهر في كليهما نفيه وهو من جنس ما يروونه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تفسير ا ب ت ث وتفسير أبجد هوز حطي ويروونه عن المسيح أنه قاله لمعلمه في الكتاب وهذا كله من الأحاديث الواهية بل المكذوبة ولا يجوز باتفاق .( أهل العلم بالنقل أن يحتج بشيء من هذه)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثالث .. انتقالة الى المسلمين
يذكر ابن خلدون( ١) في هذا الشأن أن( علم أسرار الحروف حدث في هذه الملة وانتقل إليها عند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر ، وتدوين الكتب ( والاصطلاحات) ثم بعد ذلك يبين كيف انتقل إلى الإسلام استخدام الحروف الخاطئ ، وأنه حدث عندما ترجمت كتب الفلاسفة التي كانت سبباً في فتح مسألة استخدام الحروف المقطعة، ومعرفة الآجال من خلال حساب الجُمل، كما فعل الكندي( ٣) في تنبوءه الذي أشرنا له في مبحث علاقة أسرار الحروف بالتنجيم وسيأتي الكلام عنه في مبحث الفلاسفة، حيث يقول ابن خلدون: (وأما بعد صدر الملة وحين علق الناس على العلوم والاصطلاحات ترجمت كتب الحكماء إلى اللسان العربي فأكثر معتمدهم في ذلك كلام المنجمين في الملك والدول وسائر الأمور العامة من القرانات، وفي المواليد ، والمسائل .( وسائر الأمور الخاصة من الطوالع لها وهي شكل الفلك عند حدوثها )
فأرجع السبب في انتقال هذا العلم إلى اختلاط كتب الفلاسفة بالتنجيم ، ولا شك أن هذا الكلام صحيح ؛ فإن هذه الأفكار أساس ضلالها بدأ عندما شرعوا في الترجمة لكتب الفلاسفة، وعندما توسعت رقعة الدولة الإسلامية ودخل في حوزة الدولة من كان قد تلقى وتشرب الأفكار القديمة التي نجم منها ، فتح باب التأويل الذي خاض فيه المتكلمون كثيرًا وتأولوا بعض النصوص وجعلوها من المتشابه التي لابد من تأويلها فمن هذا الباب دخل عليهم وعلى الدين الفلاسفة والمتصوفة والباطنية، وفتحوا الباب وتأولوا الحروف وغيرها وسيأتي الكلام والرد على مزاعمهم في هذه المسألة .
ولكن هذا الكلام من ابن خلدون عام ولم يحدد بشكل دقيق البداية ولكن نجد أنه لم يغفل عن هذا ،بل حاول أن يوجد البداية التي كانت في الاستدلال بالآثار ، ثم كيف انتقلت إلى استخدام الحروف في معرفة المستقبل حيث يقول: (وأما في الدولة الإسلامية فوقع منه كثير فيما يرجع إلى بقاء الدنيا ومدتها على العموم وفيما يرجع إلى الدولة وأعمارها على الخصوص وكان المعتمد في ذلك في من صدر الإسلام لآثار منقولة عن الصحابة وخصوصا مسلمة بني إسرائيل مثل كعب الأحبار( ١) ووهب بن منبه( ٢) وأمثالهما وربما اقتبسوا بعض ذلك من ظواهر مأثورة وتأويلات )( ٣). ومن المهم هنا قبل الاسترسال في الكلام عن النشأة ؛ أن نذكر أن هذه الآثار غير صريحة في تحديد أمد وآجال بقاء الأمة وإنما وردت مجملة.
ثم هي لم تكن في استخدام الحروف كما وقع لمن جاء بعدهم؛ ولذلك سنعوض عنه ولن نتكلم عنها في بحثنا هذا. ونعود لما قرره ابن خلدون، فبعد أن ذكر كلامه السابق عن استخدام الآثار في الاستدلال بها في معرفة الأمد في بقاء الأمة انتقل إلى الكلام عن السهيلي ( ١) الذي استخدم هذه الآثار، ثم أردفها بالاستدلال بالحروف المقطعة التي في أوائل السور ليستدل على أمد الدنيا من خلالها. ومما استدل به في تقريره لاستخدام الحروف المقطعة كان في قصة أبي ياسر وأخيه حيي بن أخطب التي ذكرها ابن إسحاق ونقلها الإمام الطبري( ١) وغيره، وسيأتي الكلام عن هذه القصة والحكم عليها في مبحث حكم أسرار الحروف وموقف العلماء منها. ومن المرجح أن السهيلي في الأصل أخذ هذا التحديد لأجل الأمة من كلام الكندي الفيلسوف المنجم الذي كان له باب السبق في هذا مع الفارق بينهما في المنهج فذاك فيلسوف ومنجم وهذا يذكر آثارًا ثم يستخدم الحروف المقطعة استدلالا بقصة اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحروف المقطعة التي في أوائل السور ، وهذا الاستقاء لهذه الفكرة التي أخذها السهيلي من الكندي رجحه ابن خلدون في مقدمته
حيث قال ( وقال يعقوب ابن إسحاق الكندي إن مدة الملة تنتهي إلى ست مئة وثلاث وتسعين سنه قال لأن الزهرة كانت عند قران الملة في ثمان وعشرين درجة وثلاثين دقيقة من الحوت فالباقي إحدى عشرة درجة وثماني عشرة دقيقة ودقائقهما ستون فيكون ست مئة وثلاثا وتسعين سنة قال وهذه مدة الملة باتفاق الحكماء ويعضده الحروف الواقعة في أول السور بحذف المكرر واعتباره بحساب الجمل قلت وهذا هو .( الذي ذكره السهيلي والغالب أن الأول هو مستند السهيلي فيما نلقناه ) وهذا الاستنتاج من ابن خلدون يقرر مسألة هامة وهي أن التأثير في استخدام الحروف لدى المسلمين لم يكن من آثارًا نبوية وإنما وقع بسبب هذا الانفتاح غير المنضبط مع هذه الفلسفات القديمة والتي نجم عنها ظهور فلاسفة تأثروا بهذه الفلسفات المختلطة بالتنجيم والذي يمثلهم الكندي صاحب هذا الاستخدام والذي تبعه السهيلي في استخدامه وخلطه ببعض الآثار.
لكن هل كان الكندي أول من استخدم الحروف؟
في الحقيقة لم يكن الكندي أول من استخدام الحروف ، وإنما نجد بعد البحث أنه مسبوق من: سهل بن هارون بن راهبون الكاتب( ٢) الذي ربط الحروف العربية بمنازل القمر فقال : (عدد حروف العربية ثمانية وعشرون حرفا على عدد منازل القمر وغاية ما تبلغ الكلمة منها مع زيادتها سبعة أحرف على عدد النجوم السبعة ... وحروف الزوائد اثنا عشر حرفا على عدد البروج الاثناعشر ... ومن الحروف ما يدغم مع لام التعريف وهي أربعة عشر حرفا مثل منازل القمر المستترة تحت الأرض وأربعة عشر حرفا ظاهرا لا تدغم مثل بقية المنازل الظاهرة، وجعل الإعراب ثلاث حركات الرفع والنصب والخفض، لأن الحركات الطبيعية ثلاث حركات: حركة من الوسط كحركة النار، وحركة إلى الوسط كحركة الأرض، وحركة على الوسط كحركة .( الفلك) لكن لو نظرنا إلى استخدامه هذا نجد أنه لم يكن مرتبطاً باستخراج دلالات عددية من الحروف ، ولذلك من هذا الوجه يكون كلام ابن خلدون صحيح لأن الكندي هو أول من استخدم الدلالات العددية من الحروف،
كما أن كلام ابن خلدون صحيح في أن البداية كانت عندما ترجمت كتب الفلاسفة، لأن كلا الاثنين – سهل بن هارون، والكندي – كان لهما ارتباطٌ فيما ترجم في تلك الفترة من الزمان ثم جاء بعد الكندي تلميذه أحمد بن سهل البلخي( ٢) الذي أقبل على أسرار علم التنجيم، وألف رسائل في تأويل الحروف المقطعة، فجاء في معجم الأدباء (أن أبا زيد في أول أمره كان خرج في طلب الإمام إلى العراق، إذ كان قد تقلد مذهب الإمامية) ويرجح الدكتور كامل مصطفى الشيبي أن أبا زيد البلخي حاول استخراج موعد خروج المهدي من الحروف المقطعة، ولذلك خرج إلى العراق ليبحث عن الإمام المنتظر ثم دخل القرن الرابع الهجري، وبدأت الفرق تأخذ ما يناسبها من هذا العلم ، فبدأت الصوفية يمثلها الحلاج تأخذ من علم الحروف ما يناسبها، وكذلك الشيعة والإسماعيلية، إلى أن أصبح هذا العلم مستقرا عندهم على ما سنبينه عن كل فرقة في المباحث القادمة من هذا البحث.
الحاصل أن مما سبق يمكن أن يكون سردًا عاماً يتضح معه بداية انتقال استخدام الحروف إلى المسلمين ، ولكن مع ذلك هناك عدة جوانب ذات صلة ببحثنا تتعلق بمعتقدات الفرق، من المناسب أن نبحث في بداية نشأتها عند المسلمين، على اعتبار أنها مرتبطة بالحروف ومنها:
الجفر
والجفر على ما سيأتي معنا في مبحث الشيعة يزعمون أن فيه علم ما سيقع على طريقة الحروف؛ ولذلك كان من الضروري معرفة بداية نشأته عند المسلمين فعن ذلك يذكر ابن خلدون أنه من رواية هارون بن سعد العجلي( ١) فقال موضحا حقيقته :
(واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعد العجلي وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص)( ١). ثم بعد ذلك نقد هذا الكتاب الذي لم يتصل سنده ولم يعرف عينه إلا أن هذا الرأي قد خالفه أحد الباحثين المعاصرين حيث جعل فكرة الجفر عند الإمامية الاثناعشرية منشأها من فرقة الخطابية( ٣) أتباع أبي الخطاب( ٤) الذي زعم أن جعفر الصادق قد أوصى له من بعده وعلمه اسم الله الأعظم وأمام هذيين الرأيين يحسن بنا إعادة النظر في هذه المسألة بتتبع الأحد اث التاريخية لهذه الأمة لمعرفة بداية النشأة، فلو رجعنا إلى الوراء ونظرنا في أحداث الفتنة التي وقعت بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان لوجدنا أن ثمة فكرة قد بثها مع عدة أفكارٍ أخرى رأس من رؤوس تلك الفتنة وهو: عبد الله بن سبأ( ١)،
وهذه الفكرة تركزت حول وجود علم سري عند الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأن الوحي يأتيه وأنه شريك النبي صلى الله عليه وسلم ووصيه( ٢). وانتشرت عند الناس مبكرًا في زمن علي - رضي الله عنه - كما سيأتي بيانه في مبحث الشيعة عند كلامنا عن الجفر عندما أتى بعض الصحابة وسألوا علياً - رضي الله عنه - هل عندهم كتاب خصهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - كل هذه الوقائع تؤكد أن ابن سبأ له السبق في بداية القول في نسبة كتاب الجفر لآل البيت وهذا ما أرجحه وعلى فرض أي مما ذكرنا سابقاً سواء كان هارون العجلي أو أبو الخطاب أو ابن سبأ فجميعهم لهم دور في تكوين هذه الفكرة كبداية ، ولكن يبقى السؤال المهم
وهو: متى كانت بداية إضافة علم الحروف إلى كتاب الجفر ؟
وفي الإجابة على هذا التساؤل لا أستطيع الجزم بتحديدها بشكل دقيق ولكن من المؤكد عندي أن فكرة إضافة علم الحروف للجفر بدأت بالتدريج فكانت مجرد فكرة ثم تطورت وأضيف علم الغيب لهذا الكتاب، مع الغلو الناشئ والمتزايد مع الأحداث في آل البيت ، ولما استقر عندهم أن هذا الكتاب فيه كل ما سيقع في المستقبل ولم يعرف عينه بدأت إضافة علم الحروف إليه لعلاقته بعلم الغيب . ثم بعد ذلك أخذت في التوسع على ما سيأتي في كلامنا في مبحث الشيعة .
بداية استخدام الحروف وربطها بالمعتقدات:
وأما ما يتعلق بربط الحروف بالمعتقدات فلم يظهر لي كلام لأحد العلماء أو حتى الباحثين المعاصرين عن جذور هذا الاستخدام ، ولكن من خلال البحث ظهر لي أن فرقة المغيرية( ١) أصحاب المغيرة بن سعيد( ٢) التي ظهرت تقريباً في القرن الأول من الإسلام قد ذكر أصحاب كتب المقالات عن هذه الفرقة أنهم كانوا يعبدون رجلا من نور وأن حروف أبي جاد على عدد أعضائه( ١)، فربما كانت هذه البداية للإسماعيلية والفرق الباطنية التي استخدمت الحروف والأعداد في معتقدهم. ولكن يبقى مجرد ظن لأنه لم يكن للإسماعيلية منهجا مستقرًا في تلك الفترة. وأخيرًا في نهاية هذا المبحث بقي أن ننبه لمسألة هامة ذات علاقة بهذا المبحث وهي
أن البعض قد يخلط بين مسألة كانت عند المسلمين من السابق تتعلق بعد آيات القرآن فيذكرها في المسار التاريخي للإعجاز العددي - الذي جعله في حساب عدد آيات معينة، أو في استخدام حساب الجُمل في معرفة المستقبل كما سيأتي معنا في الفصل الثالث من هذا البحث في مبحث التطبيقات - وأنها مرحلة من مراحله، وهذا وإن التقيا في مسألة العد ولكن في الحقيقة أن الأمر يختلف بينهما كليا؛ إذ أن العد في بداية الأمر كان له أسباب منها تقسيم القرآن إلى وحدات متماثلة ، كما هو معروف الآن بالأجزاء والأحزاب والربعات ؛ تسهيلاً على الأمة لما في ذلك من نفع
ومنها لكي يستفيد منها طالب العلم في علوم القرآن والقراءات وذلك لتعلقه بالمكي والمدني ، وعدد الآيات وفواصلها
ومنها: لمعرفة الأوجه بين السور الآيات لمعرفة الفروق بين القراءات ( ٣). ولم يكن هدفهم معرفة المستقبل من خلال هذا العد ، أو تقديس رقم ١٩ أو غيره من الأرقام ، أو إضاعة الأوقات في البحث والمقارنة بين الأعداد والحروف التي في آيات معينة لإيجاد علاقة خاصة بينهما ؟! - كما سيأتي معنا في الفصل الثالث في مبحث التطبيقات المعاصرة - بل الأمر يختلف بينهما فلا يمكن أن يقال هذا من الإعجاز العددي، أو أنه في مساره التاريخي، وأنه تطور باستخدام يوافق العصر الحديث
يتبع ان شاء الله
مصطفى2الإثنين أكتوبر 24, 2016 12:13 pm