آيه كريمه وجدت لها تفسيرات عديدة ..لفتت نظرى الى شئ هام .. ربما ان بعض التفسيرات على صواب والاخر ربما لا .. ولكن ما ركن اليه قلبى انه قد يكون هناك تفسيرات متعددة وكلها يكون صحيحا مع اختلافها ..
قال تعالى
وَلا تَتَّخِذوا أَيمانَكُم دَخَلًا بَينَكُم فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعدَ ثُبوتِها وَتَذوقُوا السّوءَ بِما صَدَدتُم عَن سَبيلِ اللَّـهِ وَلَكُم عَذابٌ عَظيمٌ ﴿٩٤﴾ النحل
من تفسير ابن كثير
ثم حذر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكرًا، لئلا تَزل قدم بعد ثبوتها:مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام؛ ولهذا قال: ( وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
من تفسير القرطبى
قوله تعالى: « ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم » كرر ذلك تأكيدا. « فتزل قدم بعد ثبوتها » مبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدين وتردده في معاشرات الناس؛ أي لا تعقدوا الأيمان بالانطواء على الخديعة والفساد فتزل قدم بعد ثبوتها، أي عن الأيمان بعد المعرفة بالله. وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه؛ لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر؛ ومن هذا المعنى قول كثير:
فلما توافينا ثبت وزلت
والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة: زلت قدمه؛ كقول الشاعر:
سيمنع منك السبق إن كنت سابقا وتقتل إن زلت بك القدمان
ويقال لمن أخطأ في شيء: زل فيه. ثم توعد تعالى بعدُ بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة. وهذا الوعيد إنما هو فيمن نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن من عاهده ثم نقض عهده خرج من الإيمان، ولهذا قال: « وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله » أي بصدكم. وذوق السوء في الدنيا هو ما يحل بهم من المكروه.
من تفسير البغوى
( وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا ) خديعة وفسادا, ( بَيْنَكُمْ ) فتغرون بها الناس, فيسكنون إلى أيمانكم, ويأمنون, ثم تنقضونها, ( فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) فتهلكوا بعدما كنتم آمنين والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية, أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلت قدمه, ( وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) قيل: معناه: سهلتم طريق نقض العهد على الناس بنقضكم العهد, ( وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
من تفسير الطبرى
يقول تعالى ذكره: ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دَخَلا وخديعة بينكم، تغزون بها الناس ( فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) يقول: فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين. وإنما هذا مثل لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقطٍ في ورطة بعد سلامة، وما أشبه ذلك: ( زلَّت قدمه ) ، كما قال الشاعر:
سـيَمْنَعُ مِنْـكَ السَّـبْقُ إنْ كُـنْتَ سابِقا وتُلْطَــعُ إنْ زَلَّــتْ بـكَ النَّعْـلانِ
وقوله ( وَتَذُوقُوا السُّوءَ ) يقول: وتذوقوا أنتم السوء وذلك السوء: هو عذاب الله الذي يعذّب به أهل معاصيه في الدنيا، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر ( بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول: بما فَتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان ( وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) في الآخرة، وذلك نار جهنم ، وهذه الآية تدلّ على أن تأويل بُرَيْدة الذي ذكرنا عنه ، في قوله وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ والآيات التي بعدها،
أنه عُنِيَ بذلك : الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، عن مفارقة الإسلام لقلة أهله، وكثرة أهل الشرك هو الصواب، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به، لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم ، صدّ عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعِلِي ذلك ، أنهم باتخاذهم الأيمان دَخَلا بينهم ، ونقضهم الأيمان بعد توكيدها، صادّون عن سبيل الله، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها، وهذه صفة أهل الكفر بالله لا صفة أهل النُّقْلة بالحلف عن قوم إلى قوم.
من تفسير السعدى
أي: ( وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ ) وعهودكم ومواثيقكم تبعا لأهوائكم متى شئتم وفيتم بها، ومتى شئتم نقضتموها، فإنكم إذا فعلتم ذلك تزل أقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم، ( وَتَذُوقُوا السُّوءَ ) أي: العذاب الذي يسوءكم ويحزنكم ( بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) حيث ضللتم وأضللتم غيركم ( وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) مضاعف.
من تفسير الشيخ الشعراوى رحمه الله
اولا نأخذ من البداية مقتطفا قليلا قبل ذكر تفسير الآيه المطلوبه ( لأن تفسير الشيخ الشعراوى كان مختلفا لأنة اعتمد الآيات السابقة كتفسير للآيه المطلوبه )
قال تعالى
وَأَوفوا بِعَهدِ اللَّـهِ إِذا عاهَدتُم وَلا تَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها وَقَد جَعَلتُمُ اللَّـهَ عَلَيكُم كَفيلًا إِنَّ اللَّـهَ يَعلَمُ ما تَفعَلونَ ﴿٩١﴾ النحل
الوفاء : أن تفى بما تعاهدت عليه ، والعهود لا تكون فى المفروض عليك ،انما تكون فى المباحات ، فأنت حر ان تلقانى غدا وأنا كذلك ، لكن اذا اتفقنا وتعاهدنا على اللقاء غدا فى الساعة كذا ومكان كذا فقد تحول الامر من المباح الى المفروض ، واصبح كل منا ملزما بأن يفى بعهدة لأن كل واحد منا عطل مصالحة ورتب امورة على هذا اللقاء ، فلا يصح أن يفى احدنا ويخلف الآخر ، لأن ذلك يتسبب فى عدم تكافؤ الفرص ، ومعلوم ان مصالح العباد فى الدنيا قائمة على الوفاء بالعهد ...........................................
وقوله تعالى (بِعَهدِ اللَّـهِ .... ) ..
عهد الله : هو الشئ الذى تعاهد الله عليه ، وأول عهد لك مع الله تعالى هو الايمان به ، وما دمت قد آمنت بالله فانظر الى ما طلبه منك وما كلفك به ، واياك ان تخل بأمر من أموره ، لأن الاختلال فى اى أمر تكليفى من الله يعد نقصا فى ايمانك ...........
وقوله : (وَلا تَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها ..)
الأيمان : جمع يمين ، وهو الحلف الذى نحلفه ونؤكد عليه فنقول : والله ... الخ . اذن : فلا يليق بك ان تنقض ما أكدته من الأيمان ، بل يلزمك أن توفى بها : لأنك ان وفيت بها وفى لك بها ايضا ، فلا تأخذ الأمر من جانبك وحدك ، ولكن انظر الى المقابل . وكذلك العهد بين الناس بعضهم البعض مأخوذ من باطن العهد الايمانى بالله تعالى : لأننا حينما نتعاهد نُشهد الله على هذا العهد ، فنقول : بينى وبينك عهد الله ، فنُدخل بيننا الحق سبحانه وتعالى لنُوثق ما تعاهدنا عليه ، وربنا سبحانه وتعالى يقول : (وَقَد جَعَلتُمُ اللَّـهَ عَلَيكُم كَفيلًا ...) أى : شاهدا ورقيبا وضامنا .
قال تعالى
(وَلا تَكونوا كَالَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكاثًا تَتَّخِذونَ أَيمانَكُم دَخَلًا بَينَكُم أَن تَكونَ أُمَّةٌ هِيَ أَربى مِن أُمَّةٍ إِنَّما يَبلوكُمُ اللَّـهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُم يَومَ القِيامَةِ ما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ﴿٩٢﴾ النحل
الدخل : أن تدخل فى الشئ شيئا ادنى منه من جنسة على سبيل الغش والخداع ، كأن تدخل فى الذهب عيار 24 قيراطا مثلا ذهبا من عيار 18 قيراطا ..أو كأن تدخل فى اللوز مثلا نوى المشمش على أنه منه .. فكأن الأيمان القائمة على الصدق والوفاء يعطيها صاحبها وهو ينوى بها الخداع والغش ، فيحلف لصاحبة وهو يقصد تنويمة والتغرير بة .
وقوله
(أَن تَكونَ أُمَّةٌ هِيَ أَربى مِن أُمَّةٍ ... ) .
هذة هى العله فى ان نتخذ الايمان دخلا فيما بيننا ، الايمان الزائفة الخادعة ، لأن الذى باع نوى المشمش على أنة لوز مثلا ، فقد اربى أى : أخذ ازيد من حقة ونقص حق الاخرين ، فالعلة اذن فى الخداع بالأيمان الطمع وطلب الزيادة على حساب الآخرين . وقد تأتى الزيادة بصورة أخرى ، كأن تعاهد شخصا على شئ ما ، وأديت له بالعهود والأيمان والمواثيق ، ثم عن لك من هو أقوى منه سواء كان بالقهر والسلطان او بالاغراء ، فنقضت العهد الأول لأن الثانى أربى منه وازيد .
وفى مثل هذة المواقف يجب ان يأخذ الانسان حذرة فمن يدريك لعلة يفُعل بك كما فعلت ويكال لك بنفس المكيال الذى كلت بة لغيرك ، فاحذر اذا تجرأت على خلق الله أن يُجرىء الله عليك من يسقيك من نفس الكأس . واذا كنت صاحب حرفة أو صناعة فاياك ان تغش الناس ، وتذكر ان لك عندهم مصالح ، وفى ايديهم لك حرف وصناعات ، فأذا تجرأت عليهم جرأهم الله عليك ، لأنه سبحانه يقول : انا القيُوم ، أى القائم على أمركم ، فناموا انتم فأنا لا انام ، فهذة مسألة يجب ان نلحظها جيدا . من تجرأ على الناس جرأهم الله عليه ، ومن اخلص عمله واتقنة قذف الله فى قلوب الخلق أن يُتقنوا له حاجتة
وقوله :
(إِنَّما يَبلوكُمُ اللَّـهُ بِهِ .. )
أى : يختبركم الله تعالى بهذا العهد ، فهو سبحانه يعلم ما انتم عليه ساعة ان عقدتم العهد ، أفى نيتكم الوفاء ، أم فى نيتكم الغدر والخداع ؟ . وهب أنك تنوى الوفاء ثم عرض لك ما حال بينك وبينه ، فالله سبحانه وتعالى يعلم حقائق الامور ولا يخفى عليه شئ . اذن الابتلاء هنا لا يعنى النكبة والبلاء ، بل يعنى مجرد الاختبار والنكبة والبلاء على الذى يفشل فى الاختبار ، فالعبرة هنا بالنتيجة .
محمد-حسنالأحد أبريل 01, 2018 12:38 am